وهل المنع من بيع الطعام قبل قبضه تعبد، أو معقول المعنى؟ قولان. وعلى الثاني فقيل: إنما نهى عن ذلك لأن أهل العينة كانوا يتوصلون إلى الفساد ببيع الطعام قبل قبضه، فنهى عن ذلك سداًّ للذريعة والفساد. وقيل: لأن للشرع غرضاً في ظهوره، فإنا لو جوزنا بيعه قبل قبضه لباعه أهل الأموال بعضهم من بعض من غير ظهور، بخلاف ما إذا منعنا ذلك، فإنه حينئذ ينتفع به الكيال والحمال، ويظهر للفقراء وتتقوى نفوس الناس به، والله أعلم.
بشرط كونه معاوضة فيما فيه حق توفية من كيل أو شبهه، بخلاف الهبة، والقرض، والصدقة، وكذلك الجزاف على الأصح
هذا الشرط راجع إلى المستثنى، أي: بشرط كون الطعام وجب عن معاوضة وكونه فيه توفية، فاحترز بمعاوضة من القرض والهبة والصدقة، أي: فإنه يجوز بيعه في هذه الوجوه قبل قبضه.
قال بعض من تكلم على هذا الموضع: وفي اشتراطه المعاوضة نظر، لأن الاستثناء دل على منع بيع الطعام المشتري.
فإما أن يريد بالمعاوضة نفس الشراء أو أعم، فالأول يلزم منه اتحاد الشرط والمشروط، ويلزم عليه أيضاً جواز بيع الطعام إذا لم يكن من شراء، كما لو كان عن منافع، أو نكاح، أو خلع، أو صداق، أو مثلاً لمتلف، أو أرش جناية، وذلك لا يجوز.
وإما أن يريد ما هو أعم فلا يصح، لأن الشرط مقيد لمشروطه فلا يكون أعم. وهذا إنما يأتي إذا كان كلام المصنف يشتمل على شرطين، أما إن جعل شرطاً واحداً مشتملاً على جزءين فلا.
تنبيه: جعل في الواضحة ما يأخذه القضاة والمؤذنون وصاحب السوق من الطعام من باب المعاوضة، فمنع من بيعه قبل قبضه.