وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً* وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 28 - 29].
قوله: (وأُجِيبَ .. إلى آخره) هذا جواب اللخمي عن الآية يعني أن قوله تعالى: (وَأُسَرِّحْكُنَّ) يقتضي أنه لم يجعل الطلاق إلى زوجاته وإنما هو المطلق، ولو يعلم أن الزوجة المطلقة فإنما تطلق طلقة لأن السراح لا يقتضي الثلاث لاسيما كونه وصف بالجميل، نعم هو صلى الله عليه وسلم لا يرتجع من اختارت الفراق بعد أن آثرت الدنيا على الله ورسوله والدار الآخرة، على أنه ولو سرح بالثلاث لكان ينبغي أن يكون حكمنا بذلك بخلافه لعدم حصول الندم له عليه الصلاة والسلام؛ لأنه كان يوحى إليه بخلافنا. والظاهر هنا هو الجواب الأول، وهو أنه صلى الله عليه وسلم هو المسرح وبه يبطل الاستدلال بالآية الكريمة ويؤيد هذا ما قاله القاضي إسماعيل في الأحكام: وقد ظن قوم أنه عليه الصلاة والسلام خير نساءه في الطلاق، وهذا ظن سوء منهم أن يظن برسول الله صلى الله عليه وسلم أن يخير في طلاق ويكون ثلاثاً، وإنما خيرهن بين الدنيا والآخرة فإن اخترن الدنيا طلقن حينئذ طلاق السنة الذي علمه الله، ألا ترى إلى قوله: (أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحاً جَمِيلاً) وقاله ابن رشد وعياض، وروى البخاري ومسلم والنسائي أنه عليه الصلاة والسلام لما أمره الله بالتخيير وبدأ بعائشة وتلى عليها الآية وقال لها: "لا عليك أن لا تستعجيل حتى تستأمري أبويك". فقالت: أفي هذا [370/ أ] أستأمر أبوي، فإني أريد الله ورسوله والدار الآخرة. قالت: ثم فعل أزواجه مثل ذلك. وما وقع في المدونة أن بعض أزواجه اختارت الفراق، اللخمي وعياض وغيرهما: فليس بصحيح.
تنبيه:
استدل ابن عبد السلام على أن الطلاق المراد من الآية دون الثلاث لحصول المتعة لأنه لو كان الثلاث لم تكن متعة وليس بظاهر، لأن المذهب استحباب المتعة لكل مطلقة سواء طلقت ثلاث أم لا، إلا ما استثنى وقد تقدم ذلك.