بل يأتيهما ماشياً، وهو أقيس لاتفاقهم على أن من قال: علي المشي إلى مكة أن عليه أن يمشي إليها، ثم ذكر قول القاضي إسماعيل.

فَلَوْ كَانَ الْمَوْضِعُ قَرِيباً جِدّاً فَقَوْلانِ، ثُمَّ فِي الْمَشْىٍ قَوْلانِ

أي: فلو كان المسجد الذي نذر الإتيان إليه قريباً لا يحتاج إلى شد الرحال فقولان: ظاهر المدونة أنه لا شيء عليه؛ لقوله: ولو نذر الصلاة في غيرها من مساجد الأمصار صلى بموضعه ولم يأته، ونحوه في الرسالة؛ لقوله: وأما غير هذه الثلاثة المساجد فلا يأتيها ماشياً ولا راكباً لصلاة نذرها وليصل بموضعه.

ابن المواز: قيل: إلا أن يكون المسجد الذي نذر أن يأتيه قريباً مثل الأميال اليسيرة، فليأته ماشياً ليصلي فيه كما جعل على نفسه والمشي في ذلك ضعيف، وقال ابن حبيب: إن كان المسجد الذي نذر أن يأتيه ماشياً معه في موضعه، ومثل مسجد جمعته أو مسجده الذي يصلي فيه الصلوات الخمس فيلزمه أن يمشي إليه ويصلي فيه ما نذر، وقاله مالك، واستحسن اللخمي وغيره هذا القول عملاً بقوله صلى الله عليه وسلم: "من نذر أن يطيع الله فليطعه"، وحديث: "لا تشد الرحال" لا يعارضه، وما ذكرناه من ظاهر المدونة هو مقتضى فهم اللخمي وابن يونس وغيرهما، كذكرهم هذين القولين بعد لفظ المدونة، وانظر هذا الفهم مع ما قاله في المدونة في باب الاعتكاف: من نذر جوار مسجد مثل جوار مكة لزمه ذلك في أي البلدان كان، إذا كان ساكناً بالبلد، ولم أر من قال: يلزمه الذهاب ولا يلزمه المشي كما قال المصنف، والله أعلم.

وَلَوْ كَانَ فِي أَحَدِهِمَا وَالْتَزَمَ الآخَرَ لَزِمَهُ عَلَى الأصَحِّ، وَالْمَشْهُورُ إِلا أَنْ يَكُونَ الثَّانِي مَفْضُولاً ...

يعني: لو كان في أحد المساجد الثلاثة ونذر أن يأتي الآخر فالمشهور: إن كان في مفضول والتزم الأفضل لزمه، وإن كان بالعكس لم يلزمه، وهذا القول حكاه اللخمي ولم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015