مكة لا يدخل إلا بأحد الأمرين ونيته تقتضي المشي إلى مكة، أو إلى شعيرة من شعائرها فيلزمه المشي، والقول الثالث خارج عن فرض المسألة؛ لأن عرفة ليست من الحرم، ووجهه غير خفي.

وَلَوْ قَالَ: عَلَيَّ الْمَشْيُ وَلَمْ يَقْصِدْ شَيْئاً فَفِيهَا: لا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ، وَأَلْزَمَهُ أَشْهَبُ مَكَّةَ

إنما لم يلزمه في المدونة شيء لكون المشي بمفرده ليس بقرية، ولأن هروبه من التعيين دليل على عدم الالتزام، ورأى أشهب أن هذا إذا صدر فُهِم منه عرفاً التزام المشي إلى مكة، ولعله إنما نسب المسألة للمدونة لإشكالها؛ لكونه لم يحمل لفظه على العرف.

وَإِذَا لَمْ يَمْشِ عَلَى الْمُعْتَادِ بِطُولِ الْمُقَامِ فِي أَثْنَائِهِ فَإِنْ كَانَ لِضَرُورَةٍ أَجْزَأَهُ، وَإِنْ كَانَ مُخْتَاراً فَفِي إِجْزَاءِ ذَلِكَ الْمَشْيِ قَوْلانِ ...

حاصله أنه إن مشى على العادة أجزأه، ولا تضره الإقامة المعتادة كالركب المغربي يقيم بمصر شهراً أو نحوه ليأتي إبان الخروج، وكالإقامة بالعقبة ونحوها، وهذا يفهم من قوله: (وَإِذَا لَمْ يَمْشِ عَلَى الْمُعْتَادِ) يعني: وأما لو مشى على المعتاد أجزأه، ثم فصل في الذي لم يمش على المعتاد فقال: إن كان لضرورة أو عدم رفقة أجزأه المشي اتفاقاً، وإن لم يكن لضرورة فقولان، وهما روايتان بالإجزاء في الموازية، وعدمه في الواضحة.

ابن حبيب: وهو بمنزلة من عليه صوم شهرين متتابعين. ورأى اللخمي أن الإجزاء هو الجاري على قول مالك وابن القاسم في المدونة فيمن نذر صوم سنة أن له أن يأتي بها غير متتابعة. وصوبه ابن راشد؛ لأن يمينه إنما تضمنت المشي، والتتابع أمر زائد فلا يصار إليه إلا بدليل. وقال ابن عبد السلام: والظاهر عدم الإجزاء لأن عرف الناس في السير التوالي، وأشار إلى أن تخريج اللخمي ظاهر، لولا ما ذكرناه من العادة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015