الحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِيْنَ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِيْنَ، أَمَّا بَعْدُ فَهَذِهِ مَسَائِلُ مُوْجَزَةٌ فِي مَوْضُوْعِ التَّبَرُّكِ؛ اقْتَطَفْتُهَا مِنْ كُتُبِ أَهْلِ العِلْمِ رَحِمَهُم اللهُ تَعَالَى، أَسْأَلُهُ سُبْحَانَهُ أَنْ تَكُوْنَ مُفِيْدَةً فِي بَابِهَا. (?)
1) الخَيْرُ كُلُّهُ فِي يَدِ اللهِ تَعَالَى؛ لَيْسَ لِأَحَدٍ مِنْهُ شَيْءٌ.
قَالَ تَعَالَى: {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (آل عِمْرَان:26). (?)
وَفِي البُخَارِيِّ (?) عَنْ جَابِرٍ مَرْفُوْعًا (البَرَكَة مِنَ اللهِ).
2) مَعْنَى البَرَكَةِ: ثَلَاثَةُ مَعَانٍ: الثَّبَاتُ وَاللُّزُوْمُ (?) - النَّمَاءُ وَالزِّيَادَةُ - السَّعَادَةُ. (?)
وَالتَّبَرُّك هُوَ طَلَبُ البَرَكَةِ، أَيْ: طَلَبُ حُصُوْلِ الخَيْرِ بِمُقَارَبَةِ ذَلِكَ الشَّيْءِ وَمُلَابَسَتِهِ.
وَيَشْرحُ مَعْنَى البَرَكَةِ مَا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ (إِذَا رَأَى أَحَدُكُمْ مِنْ نَفْسِهِ أَوْ مالِهِ أَوْ مِنْ أَخِيْهِ مَا يُعْجِبُهُ فَلْيَدْعُ لهُ بِالبَرَكَةِ فَإِنَّ العَيْنَ حَقٌّ) (?)، فَالمَقْصُوْدُ بِالبَرَكَةِ هُنَا - مَثَلًا - هُوَ عَكْسُ مَا يُخْشَى مِنْهُ مِنَ العَيْنِ.
وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُ عَائِشَة رَضِيَ اللهُ عَنْها - لَمَّا تَزَوَّجَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُوَيْرِيَةَ بِنْتَ الحَارِثِ - قَالَتْ: (فَمَا رَأَيْنَا امْرَأَةً كَانَتْ أَعْظَمَ بَرَكَةً عَلَى قَوْمِهَا مِنْهَا؛ أُعْتِقَ فِي سَبَبِهَا مِائَةُ أَهْلِ بَيْتٍ مِنْ بَنِي المُصْطَلِقِ) (?)، فالبَرَكَةُ هُنَا هِيَ حُصُوْلُ الخَيْرِ بِسَبَبِهَا.
وَكَمَا قَالَ أُسَيْدُ بْنُ حُضَيْرٍ فِي قِصَّةِ شَرْعِيَّةِ التَّيَمُّمِ (مَا هِيَ بِأَوَّلِ بَرَكَتِكُمْ يَا آلَ أَبِي بَكْرٍ) (?)، بِمَعْنَى أَنَّهُ لَيْسَ ذَلِكَ هُوَ أَوَّلُ خَيْرٍ يَحْصُلُ بِسَبَبِكُم.
3) أَنَّ اللهَ تَعَالَى اخْتَصَّ بَعْضَ خَلْقِهِ بِمَا شَاءَ مِنَ الفَضْلِ وَالبَرَكَةِ.
وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ وَالنَّمَاءُ قَدْ تَكُوْنُ فِي أَمْكِنَةٍ، وَقَدْ تَكُوْنُ فِي ذَوَاتٍ، وَقَدْ تَكُوْنُ فِي أَزْمِنَةٍ، وَقَدْ تَكُوْنُ فِي صِفَاتٍ.
ومِنَ الأَوَّلِ قَوْلُهُ تَعَالَى {وَجَعَلَ فِيْهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيْهَا} (فُصِّلَت:10).
ومِنَ الثَّانِي قَوْلُهُ تَعَالَى {وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِيْنٌ} (الصَّافَّات:113)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا} (مَرْيَم:131).
ومِنَ الثَّالِثِ قَوْلُهُ تَعَالَى {لَيْلَةُ القَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ} (القَدْر:3)، وَمِثْلُهُ حَدِيْثُ (تَسَحَّرُوا فإنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةً). (?)
وَمِنَ الرَّابِعِ قَوْلُهُ تَعَالَى {فَسَلِّمُوا عَلَى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} (النُّوْر:61)، وَقَوْلُهُ تَعَالَى {وَهَذَا ذِكْرٌ مُبَارَكٌ أَنْزَلْنَاهُ أَفَأَنْتُمْ لَهُ مُنْكِرُونَ} (الأَنْبِيَاء:50).
4) أَنَّ التَّبَرُّكَ مِنْهُ المَشْرُوْعُ وَمِنْهُ المَمْنُوْعُ.
5) أَنَّ التَّبَرُّكَ بِشَيْءٍ يَجْرِي عَلَى النَّحْوِ الَّذِيْ وَرَدَ فِيْهِ.
فَالتَّبَرُّكُ بِالمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ يَكُوْنُ بِالصَّلَاةِ فِيْهَا؛ وَلَيْسَ بالتَّمَسُّحِ بِجُدْرَانِهَا وَأَرْضِهَا،
وَالتَّبَرُّكُ بِالقُرْآنِ يكَوْنُ بِتِلَاوَتِهِ وَتَدَبُّرِهِ وَالعَمَلِ بِهِ؛ لَا بِجَعْلِهِ تَمِيْمَةً، أَوْ غَسْلِ أَوْرَاقِ المُصْحَفِ وَشُرْبِهَا، وَهَكَذَا وُفْقَ مَا وَرَدَ.