- الشُّبْهَةُ السَّابِعَةُ) مَا جَاءَ فِي الحَدِيْثِ مِنْ كَوْنِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَمْلِكُ لِأَهْلِهِ وَلِلنَّاسِ شَيْئًا؛ لَا يَعْنِي عَدَمَ نَفْعِهِ لَهُم فِي الآخِرَةِ! لِأَنَّ مَنْ نُفِيَ عَنْهُم النَّفْعُ هُمُ الَّذِيْنَ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَصْلًا، فَالمَقْصُوْدُ بِالحَدِيْثِ هُوَ لَا أُغْنِي عَنْكُم مِنَ اللهِ شَيْئًا إِذَا لَمْ تُؤْمِنُوا؛ أَمَّا إِذَا آمَنْتُم فَإِنِّي أُغْنِي عَنْكُم!!
وَالجَوَابُ هُوَ مِنْ أَوْجُهٍ:
1) أَنَّ هَذَا تَلْفِيْقٌ فِي حَدِيْثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاسْتِدْرَاكٌ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَقُلْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ، بَلْ يَبْقَى الحَدِيْثُ عَلَى عُمُوْمِهِ؛ لَا سِيَّمَا وَهُوَ مُؤَكَّدٌ بِقَوْلِهِ - شَيْءٌ - فَهِيَ نَكِرَةٌ فِي سِيَاقِ العُمُوْمِ تُفِيْدُ عُمُوْمَ عَدَمِ نَفْعِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهُم شَيْئًا مِنْ دُوْنِ إِذْنِ رَبِّهِ. (?)
2) أَنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ يَوْمَ القِيَامَةِ لَا يَمْلِكُ أَحَدٌ لِأَحَدٍ شَيْئًا، قَالَ تَعَالَى: {يَوْمَ لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلَّهِ} (الانْفِطَار:19)، وَتَأَمَّلْ كَوْنَ النَّفْسِ فِي الآيَةِ نَكِرَةً فِي المَوْضِعِيْنِ؛ الأَمْرُ الَّذِيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ أَيًّا كَانَ الشَّافِعُ؛ وَأَيًّا كَانَ المَشْفُوْعُ فَلَا يَمْلِكُ لَهُ شَيْئًا إِلَّا بِإِذْنِ اللهِ تَعَالَى.
3) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ فِي بَعْضِ أَحَادِيْثِهِ الشَّرِيْفَةِ أَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْ أُمَّتِهِ شَيْئًا إِذَا جَاءُوْهُ بِالمَعَاصِي، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (إِنَّ أَوْلِيَائِي يَوْمَ القِيَامَةِ المُتَّقُوْنَ - وَإِنْ كَانَ نَسَبٌ أَقْرَبَ مِنْ نَسَبٍ - فَلَا يَأْتِيْنِي النَّاسُ بِالأَعْمَالِ وَتَأْتُوْنَ بِالدُّنْيَا تَحْمِلُونَهَا عَلَى رِقَابِكُمْ، فَتَقُوْلُوْنَ: يَا مُحَمَّدُ فَأَقُوْلُ: هَكَذَا وَهَكَذَا؛ لَا) وَأَعْرَضَ فِي كِلَا عِطْفَيْهِ) (?)، وَهَذَا ظَاهِرٌ فِي أَنَّهُ لَا يُغْنِي عَنْهُم مِنْ جِهَةِ عِصْيَانِهِم؛ وَلَيْسَ مِنْ جِهَةِ شِرْكِهِم.
وَلَا تَخْفَى عِنْدَ أَهْلِ العِلْمِ الأَحَادِيْثُ الكَثِيْرَةُ المَشْهُوْرَةُ الَّتِيْ تُثْبِتُ دُخُوْلَ كَثِيْرٍ مِنْ أَهْلِ التَّوْحِيْدِ النَّارَ - مِمَّنْ لَهُم مَعَاصٍ لَمْ يَتُوْبُوا مِنْهَا؛ وَلَمْ يُغْفَرْ لَهُم ابْتِدَاءً - ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ يُخْرَجُوْنَ مِنْهَا بِإِذْنِ اللهِ.
وَتَأَمَّلْ قَوْلَهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِيْنَ آمَنُوا أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لَا بَيْعٌ فِيْهِ وَلَا خُلَّةٌ وَلَا شَفَاعَةٌ وَالكَافِرُوْنَ هُمُ الظَّالِمُوْنَ} (البَقَرَة:254) (?)، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى أَمَرَ أَهْلَ الإِيْمَانِ بِالنَّفَقَةِ مُحَذِّرًا إِيَّاهُم مِنْ إِتْيَانِ يَوْمٍ لَا تَنْفَعُهُم فِيْهِ شَفَاعَةٌ؛ الأَمْرُ الَّذِيْ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الشَّفَاعَةَ لَيْسَتْ مِنْ بَابِ تَحْصِيْلِ الحَاصِلِ لِأَهْلِ المِلَّةِ؛ بَلْ هِيَ مَقْرُوْنَةٌ بِرِضَى الرَّبِّ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنِ المَشْفُوْعِيْنَ وَإِذْنِهِ لِلشَّافِعِيْنَ بِالشَّفَاعَةِ، هَذَا كُلُّهُ عَدَا عَنْ كَوْنِهَا دَرَجَاتٍ فِي حَقِيْقَتِهَا.
4) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ بَيَّنَ فِي بَعْضِ أَحَادِيْثِهِ الشَّرِيْفَةِ أَنَّ شَفَاعَتَهُ تُنَالُ بِالأَعْمَالِ الصَّالِحَةِ - وَلَيْسَ بِالدَّعَوَاتِ الفَارِغَةِ مِنَ المَضْمُوْنِ - وَأَهَمُّ هَذِهِ الأَعْمَالِ التَّوْحِيْدُ، كَمَا فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ؛ (قُلْتُ: يَا رَسُوْلَ اللهِ؛ مَنْ أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِكَ يَوْمَ القِيَامَةِ؟ فَقَالَ: (لَقَدْ ظَنَنْتُ يَا أَبَا هُرَيْرَةَ أَنْ لَا يَسْأَلَنِي عَنْ هَذَا الحَدِيْثِ أَحَدٌ أَوَّلُ مِنْكَ - لِمَا رَأَيْتُ مِنْ حِرْصِكَ عَلَى الحَدِيْثِ -، أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفَاعَتِي يَوْمَ القِيَامَةِ مَنْ قَالَ: (لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ) خَالِصًا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ)). (?)
وَتَأَمَّلِ الحَدِيْثَ عَنْ رَبِيْعَةَ بْنِ كَعْبٍ الأَسْلَمِيِّ؛ قَالَ: (كُنْتُ أَبِيْتُ مَعَ رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَيْتُهُ بِوَضُوْئِهِ وَحَاجَتِهِ، فَقَالَ لِي: (سَلْ). فَقُلْتُ: أَسْأَلُكَ مُرَافَقَتَكَ فِي الجَنَّةِ. قَالَ: (أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ). قُلْتُ: هُوَ ذَاكَ. قَالَ: (فَأَعِنِّي عَلَى نَفْسِكَ بِكَثْرَةِ السُّجُوْدِ). (?)