4) أَمَّا بِخُصُوْصِ حَدِيْثِ الاخْتِصَامِ؛ فَمَعْنَاهُ أَنَّ اللهَ سُبْحَانَهُ كَشَفَ لَهُ عَنِ الأَعْيَانِ المَوْجُوْدَةِ إِذْ ذَاكَ، (?) فَلَيْسَ فِيْهِ مَعْنَى كَشْفِ وَقْتِ السَّاعَةِ؛ وَلَا عِلْمَ مَا سَيَكُوْنُ كُلِّيًّا، وَإِلَّا تَعَارَضَ الحَدِيْثُ مَعَ النُّصُوْصِ الكَثِيْرَةِ المُتَوَاتِرَةِ - مِنْ جِهَةِ الدِّلَالَةِ - الَّتِيْ فِيْهَا عَدَمُ عِلْمِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ بِالغَيْبِ وَبِمَا فِي الصُّدُوْرِ.
5) أَيْضًا عَلَى فَرْضِ حَمْلِ حَدِيْثِ الاخْتِصَامِ عَلَى الغَيْبِ المُسْتَقْبَلِيِّ؛ فَمَا أُطْلِعَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ أَمْرِ مَا سَيَكُوْنُ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ هُوَ عَلَى سَبِيْلِ الإِجْمَالِ وَلَيْسَ التَّفْصِيْلِ، وَكَذَلِكَ حَدِيْثُ حُذَيْفَةَ، لِذَلِكَ تَجِدُ بَيَانَ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا فِي رَدِّهَا عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍّ؛ حَيْثُ قَالَتْ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا (وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي غَدٍ؛ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا}، وَمَنْ حَدَّثَكَ أَنَّهُ كَتَمَ؛ فَقَدْ كَذَبَ، ثُمَّ قَرَأَتْ: {يَا أَيُّهَا الرَّسُوْلُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (?)
6) أَمَّا بِخُصُوْصِ حَدِيْثِ حُذَيْفَةَ فَالخَطْبُ فِيْهِ أَسْهَلُ لِأَنَّهُ خَاصٌّ بِمَا سَيَكُوْنُ مِنْ فِتَنٍ وَمَلَاحِمَ، كَذَا بَيَّنَهُ أَحَدُ أَلْفَاظِ الحَدِيْثِ الَّذِيْ فِي مُسْلِمٍ، حَيْثُ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ اليَمَانِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (وَاللهِ إِنِّي لَأَعْلَمُ النَّاسِ بِكُلِّ فِتْنَةٍ هِيَ كَائِنَةٌ فِيْمَا بَيْنِي وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَمَا بِي إِلَّا أَنْ يَكُوْنَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَسَرَّ إِلَيَّ فِي ذَلِكَ شَيْئًا لَمْ يُحَدِّثْهُ غَيْرِي! وَلَكِنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ - وَهُوَ يُحَدِّثُ مَجْلِسًا أَنَا فِيْهِ عَنِ الفِتَنِ - فَقَالَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَهُوَ يَعُدُّ الفِتَنَ - (مِنْهُنَّ ثَلَاثٌ لَا يَكَدْنَ يَذَرْنَ شَيْئًا، وَمِنْهُنَّ فِتَنٌ كَرِيَاحِ الصَّيْفِ مِنْهَا صِغَارٌ وَمِنْهَا كِبَارٌ) قَالَ حُذَيْفَةُ: فَذَهَبَ أُوْلَئِكَ الرَّهْطُ كُلُّهُمْ غَيْرِي). (?)
وَقَدْ أَوْرَدَهُ أَهْلُ الحَدِيْثِ - وَهُمُ العَالِمُوْنَ بِالآثَارِ وَمَعَانِيْهَا وَمَوَاضِعِهَا - فِيْ ذِكْرِ أَحَادِيْثِ الفِتَنِ مِنْ سُنَنِهِم. (?) (?)
7) أَمَّا بِخُصُوْصِ حَدِيْثِ أَبِي ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ فَقَوْلُهُ (إِلَّا أَذْكَرَنَا مِنْهُ عِلْمًا)، فِيْهِ أَنَّ - مِنْ - هُنَا لِلتَّبْعِيْضِ، فَزَالَتِ الشُّبْهَةُ أَصْلًا؛ وَانْدَرَجَتْ مَعَ أَخَوَاتِهَا فِي ذِكْرِ الإِجْمَالِ.
8) أَنَّ حَدِيْثَ أَبِي ذَرٍّ أَصْلًا يَتَنَاوَلُ أُمُوْرَ الشَّرِيْعَةِ، وَعَلَى هَذَا المَعْنَى فَلَا إِشْكَالَ فِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَتْرُكْ شَيْئًا إِلَّا بَيَّنَهُ مِنْ أُمُوْرِ الشَّرِيْعَةِ، وَالحَمْدُ للهِ.
وَدَلَّ لِذَلِكَ نَفْسُ الحَدِيْثِ، حَيْثُ أَنَّ الحَدِيْثَ بِتَمَامِهِ، قَالَ أَبُو ذَرٍّ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: (تَرَكْنَا رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَمَا طَائِرٌ يُقَلِّبُ جَنَاحَيْهِ فِي الهَوَاءِ - إِلَّا وَهُوَ يُذَكِّرُنَا مِنْهُ عِلْمًا، قَالَ: فَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا بَقِيَ شَيْءٌ يُقَرِّبُ مِنَ الجَنَّةِ، ويُبَاعِدُ مِنَ النَّارِ؛ إِلَّا وَقَدْ بُيِّنَ لَكُمْ).
قَالَ ابْنُ حِبَّانَ - عَقِبَ ذِكْرِ الحَدِيْثِ -: (مَعْنَى (عِنْدَنَا مِنْهُ) يَعْنِي بِأَوَامِرِهِ وَنَوَاهِيْهِ وَأَخْبَارِهِ وَأَفْعَالِهِ وَإِبَاحَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ). (?)