أَمَّا مَا ذُكِرَ فِي بَيَانِ مَعْنَى الحَدِيْثِ الَّذِيْ فِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ - وَالَّذِيْ فِيْهِ إِثْبَاتُ صِفَةِ الأَصَابِعِ، فَنَحْنُ نُوْرِدُهُ وَنُلَخِّصُ مِنْهُ أَوْجُهًا فِي بَيَانِ المَطْلُوْبِ - إِنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى - فَفِي صَحِيْحِ البُخَارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُوْدٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ؛ قَالَ: جَاءَ حَبْرٌ مِنَ الأَحْبَارِ إِلَى رَسُوْلِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّا نَجِدُ أَنَّ اللهَ يَجْعَلُ السَّمَوَاتِ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالأَرَضِيْنَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالشَّجَرَ عَلَى إِصْبَعٍ، وَالمَاءَ وَالثَّرَى عَلَى إِصْبَعٍ، وَسَائِرَ الخَلَائِقِ عَلَى إِصْبَعٍ، فَيَقُوْلُ: أَنَا المَلِكُ. فَضَحِكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَدَتْ نَوَاجِذُهُ تَصْدِيْقًا لِقَوْلِ الحَبْرِ. ثُمَّ قَرَأَ رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ {وَمَا قَدَرُوْا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيْعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ وَالسَّمَوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِيْنِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُوْنَ} (الزُّمَرْ:67). (?)
وَهُنَا وَقَفَاتٌ:
1) لَا يَلْزَمُ مِنْ كَوْنِ اللهِ تَعَالَى قَدْ وُصِفَ بِصِفَةٍ عِنْدَ اليَهُوْدِ أَنْ يَكُوْنَ ذَلِكَ خَطَأً مُطْلَقًا، بَلْ مَا وَافَقَ شَرْعَنَا مِنْهُ يَكُوْنُ مَقْبُوْلًا، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (مَا حَدَّثَكُمْ أَهْلُ الكِتَابِ فَلَا تُصَدِّقُوْهُمْ وَلَا تُكَذِّبُوْهُمْ، وَقُوْلُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ؛ فَإِنْ كَانَ حَقًّا لَمْ تُكَذِّبُوْهُمْ، وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا لَمْ تُصَدِّقُوْهُمْ). (?)
2) أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّهُ عَلَى ذَلِكَ وضَحِكَ، وَلَا يُقَالُ هُنَا: إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضَحِكَ اسْتِهْزَاءً وَتَعَجُّبًا مِنْ تَجْسِيْمِ اليَهُوْدِيِّ!! (?) وَذَلِكَ لِأُمُوْرٍ:
أ) أَنَّ الضَّحِكَ لَا يُعْرَفُ فِي اللُّغَةِ أَنَّهُ يَكُوْنُ إِنْكَارًا، لَا سِيَّمَا مَعَ السُّكُوْتِ وَعَدَمِ البَيَانِ. (?)
ب) قَدْ ثَبَتَتْ صِفَةُ الأَصَابِعِ للهِ تَعَالَى فِي أَحَادِيْثَ أُخَرَ - خِلَافًا لِمَنْ زَعَمَ غَيْرَ ذَلِكَ - كَحَدِيْثِ (إِنَّ قُلُوْبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَيْنِ إِصْبَعَيْنِ مِنْ أَصَابِعِ الرَّحْمَنِ كَقَلْبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفهُ حَيْثُ شَاءَ). (?)
ج) أَنَّ ابْنَ مَسْعُوْدٍ رَضيَ اللهَ عَنْهُ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الضَّحِكَ هُوَ مِنْ بَابِ التَّصْدِيْقِ.
وَأَمَّا قَوْلُ بَعْضِهِم أَنَّ هَذَا كَانَ بِاعْتِبَارِ مَا فَهِمَ الصَّحَابِيُّ! فَمَرْدُوْدٌ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الصَّحَابَةَ يَعْلَمُوْنَ عَنِ اللهِ تَعَالَى أَكْثَرَ مِمَّا نَعْلَمُ بِلَا رَيْبٍ،
وَأَيْضًا هَذَا يَقْتَضِي وَصْفَ ابْنِ مَسْعُوْدٍ وَسَائِر الصَّحَابَةِ الكِرَامِ بِالتَّجْسِيْمِ - عَلَى حَدِّ زَعْمِهِم -،
وَأَيْضًا كَيْفَ تَصِحُّ تَخْطِئَتُهُ بِلَا دَلِيْلٍ شَرْعِيٍّ؛ وَقَدْ جَعَلَ اللهُ تَعَالَى الإِيْمَانَ يَقَعُ صَحِيْحًا إِذَا كَانَ عَلَى مِثْلِ إِيْمَانِ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} (البَقَرَة:137).
وَأَيْضًا إِنَّ مِنْ قَوَاعِدِ عِلْمِ الحَدِيْثِ (الرَّاوِي أَدْرَى بِمَرْوِيِّهِ).