الشَّرْحُ

- هَذَا البَابُ هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الأَبْوَابِ السَّابِقَةِ فِي بَيَانِ مُكَمِّلَاتِ التَّوْحِيْدِ، وَبَيَانِ الأَدَبِ الأَكْمَلِ مَعَ اللهِ تَعَالَى، وَذَلِكَ بِعَدَمِ اسْتِعْمَالِ الأَلْفَاظِ الَّتِيْ يَكُوْنُ الأَوْلَى فِيْهَا إِطْلَاقُهَا عَلَى اللهِ تَعَالَى وَحْدَهُ، فَيَكُوْنُ نَهْيًا عَنِ التَّطَاوُلِ فِي الأَلْفَاظِ، كَمَا فِي لَفْظِ مُسْلِمٍ (لَا يَقُوْلَنَّ أَحَدُكُمْ: عَبْدِي وَأَمَتِي؛ كُلُّكُمْ عَبِيْدُ اللهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُمْ إِمَاءُ اللهِ؛ وَلَكِنْ لِيَقُلْ: غُلَامِي وَجَارِيَتِي وَفَتَايَ وَفَتَاتِي).

- النَّهْيُ فِي هَذَا الحَدِيْثِ هُوَ لِلكَرَاهَةِ وَلَيْسَ لِلتَّحْرِيْمِ، وَقَد أَوْرَدَهُ البُخَارِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي صَحِيْحِهِ وَأَرْفَقَ مَعَهُ فِي التَّبْوِيْبَ مَا يَدُلُّ عَلَى الكَرَاهَةِ فَقَط. (?)

- فِي الحَدِيْثِ الإِرْشَادُ إِلَى إِطْلَاقِ لَفْظِ (سَيِّدِكَ) وَ (سَيِّدِي) وَ (مَولَايَ) عِوَضًا عَنْ (رَبِّكَ) وَ (رَبِّي) - لِلمَالِكِ - رُغْمَ أَنَّ المَقْصُوْدَ وَاحِدٌ! وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ لَفْظَةِ (الرَّبِّ) عَلَى اللهِ وَحْدَهُ؛ كَانَ الأَوْلَى عَدَمُ إِطْلَاقِهَا عَلَى الخَلْقِ. (?)

وَأَيْضًا فِي الحَدِيْثِ الإِرْشَادُ إِلَى إِطْلَاقِ لَفْظِ (غُلَامِي) وَ (فَتَايَ) عِوَضًا عَنْ (عَبْدِي) وَ (أَمَتِي) - لِلمَمْلُوْكِ - رُغْمَ أَنَّ المَقْصُوْدَ وَاحِدٌ! وَلَكِنْ لِكَثْرَةِ اسْتِعْمَالِ لَفْظَةِ العُبُوْدِيَّةِ عَلَى التَّأَلُّهِ إِلَى اللهِ تَعَالَى؛ كَانَ الأَوْلَى عَدَمُ إِطْلَاقِهَا إِلَّا بِقَصْدِ التَّعَبُّدِ للهِ تَعَالَى.

- قَوْلُهُ (سَيِّدِي): السِّيَادَةُ فِي الأَصْلِ عُلُوُّ المَنْزِلَةِ; لِأَنَّهَا مِنَ السُّؤْدُدِ وَالشَّرَفِ وَالجَاهِ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ، وَالسَّيِّدُ يُطْلَقُ عَلَى مَعَانٍ، مِنْهَا: المَالِكُ، وَالزَّوْجُ، وَالشَّرِيْفُ المُطَاعُ.

- قَد ذَهَبَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ إِلَى أَنَّ النَّهيَ هُنَا لِلتَّحْرِيمِ وَلَيْسِ لِلكَرَاهَةِ، وَأَجَابُوا عَنِ الأَدِلَّةِ الَّتِيْ فِيْهَا ذِكْرُ الرَّبِّ مُضَافًا إِلَى المَخْلُوْقِ؛ وَالعُبُوْدِيَّةِ مُضَافَةً إِلَى الغُلَامِ؛ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا، وَأَمَّا فِي شَرْعِنَا فَقَد نُهِيَ عَنْهُ (?)، وَعَلَيْهِ يَكُوْنُ النَّهْيُ لِلتَّحْرِيمِ.

وَهُوَ جَوَابٌ مُتَوَجِّهٌ لَوْلَا أَنَّ فِي شَرْعِنَا مَا دَلَّ عَلَى مِثْلِ مَا جَاءَ فِي شَرْعِ مَنْ قَبْلِنَا، فَوَجَبَ الحَمْلُ عَلَى الجَوَازِ مَعَ الكَرَاهَةِ، وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015