8) وَأَمَّا دَعْوَى أَنَّ عُمَرَ تَرَكَ التَّوَسُّلَ بِذَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَنَّهُ لَم يَبْلُغْهُ حَدِيْثُ الضَّرِيْرِ! - وَسَيَأْتِي -، فَهُوَ جَوَابٌ بَاطِلٌ مِنْ وُجُوْهٍ:

أ) أَنَّ حَدِيْثَ الضَّرِيْرِ إِنَّمَا يَدُلُّ عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ تَوَسُّلُ عُمَرَ هَذَا مِنَ التَّوَسُّلِ بِالدُّعَاءِ لَا بِالذَّاتِ، كَمَا سَيأْتِي بَيَانُهُ.

ب) أَنَّ تَوَسُّلَ عُمَرَ لَم يَكُنْ سِرًّا، بَلْ كَانَ جَهْرًا عَلَى رُؤُوْسِ الأَشْهَادِ، وَفِيْهِم كِبَارُ الصَّحَابَةِ مِنَ المُهَاجِرِيْنَ وَالأَنْصَارِ وَغَيْرِهِم، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَخْفَى الحَدِيْثُ عَلَى عُمَرَ، فَهَلْ يَجُوْزُ أَنْ يَخْفَى عَلَى جَمِيْعِ المَوْجُودِيْنِ مَعَ عُمَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ؟!

ج) أَنَّ عُمَرَ - كَمَا سَبَقَ - كَانَ يُكَرِّرُ هَذَا التَّوَسُّلَ كُلَّمَا نَزَلَ بِأَهْلِ المَدِيْنَةِ خَطَرٌ، أَوْ كُلَّمَا دُعِيَ لِلاسْتِسْقَاءِ - كَمَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لَفْظُ (كَانَ) - فِي حَدِيْثِ أَنَسٍ السَّابِقِ؛ وَالَّذِيْ فِيْهِ أَنَّ عُمَرَ كَانَ إِذَا قَحَطُوا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ، وَكَذَلِكَ رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ كَمَا ذَكَرَهُ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ فِي كِتَابِهِ (الاسْتِيْعَابُ) (?)، فَإِذَا جَازَ أَنْ يَخْفَى ذَلِكَ عَلَيْهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ، أَفَيَجُوْزُ أَنْ يَسْتَمِرَ عَلَى الجَهْلِ بِهِ كُلَّمَا اسْتَسْقَى بِالعَبَّاسِ - وَعِنْدَهُ المُهَاجِرُوْنَ وَالأَنْصَارُ! - وَهُمْ سُكُوْتٌ لَا يُقَدِّمُوْنَ إِلَيْهِ مَا عِنْدَهُم مِنَ العِلْمِ بِحَدِيْثِ الضَّرِيْرِ؟!

د) أَنَّ عُمُرَ لَيْسَ هُوَ وَحْدَهُ الَّذِيْ عَدَلَ عَنِ التَّوَسُّلِ بِذَاتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى التَّوَسُّلِ بِالدُّعَاءِ، بَلْ تَابَعَهُ عَلَى ذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ، فَإِنَّهُ أَيْضًا عَدَلَ إِلَى التَّوَسُّلِ بِدُعَاءِ يَزِيْدَ بْنِ الأَسْوَدِ، وَلَم يَتَوَسَّلَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِنْدَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَأَجِلَاءِ التَّابِعِيْنَ -، فَهَلْ يُقَالُ أَيْضًا: إِنَّ مُعَاوِيَةَ وَمَنْ مَعَهُ لَم يَكُوْنُوا يَعْلَمُوْنَ بِحَدِيْثِ الضَّرِيْرِ؟! وَقُلْ نَحْوَ ذَلِكَ فِي تَوَسُّلِ الضَّحَّاكِ بْنِ قَيْسٍ (?) بِيَزِيْدَ هَذَا أَيْضًا! (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015