- قَالَ الشَّيْخُ السَّعْدِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (?): وَهَذَا البَابُ يَتَوَقَّفُ فَهْمُهُ عَلَى مَعْرِفَةِ أَحْكَامِ الأَسْبَابِ، وَهِيَ ثَلَاثَةُ أُمُوْرٍ:

1) أَنْ لَا يَجْعَلَ مِنْهَا سَبَبًا إِلَّا مَا ثَبَتَ أَنَّه سَبَبٌ شَرْعًا أَوْ قَدَرًا.

2) أَنْ لَا يَعْتَمِدَ العَبْدُ عَلَيْهَا، بَلْ يَعْتَمِدُ عَلَى مُسَبِبِهَا وَمُقَدِّرِهَا، مَعَ قِيَامِهِ بِالمَشْرُوْعِ مِنْهَا، وَحِرْصِهِ عَلَى النَّافِعِ مِنْهَا.

3) أَنْ يَعْلَمَ أَنَّ الأَسْبَابَ مُرْتَبِطَةٌ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ، وَاللهُ تَعَالَى يَتَصَرَّفُ فِيْهَا كَيْفَ يَشَاءُ؛ إِنْ شَاءَ أَبْقَى سَبَبِيَّتَهَا جَارِيَةً، وَإِنْ شَاءَ غَيَّرَهَا كَيْفَ يَشَاءُ، وَفِي هَذَا فَائِدَةٌ عَظِيْمَةٌ لِلعِبَادِ فِي أَنْ لَا يَعْتَمِدوا عَلَيْهَا، وَلِيَعْلَمُوا كَمَالَ قُدْرَتِهِ سُبْحَانَهُ.

- فِي المَسْأَلَةِ الثَّالِثَةِ قَوْلُهُ (أَنَّهُ لَمْ يُعْذَرْ بِالجَهَالَةِ): هَذَا فِيْهِ نَظَرٌ، لِأَنَّ قَوْلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ؛ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا) لَيْسَ بِصَرِيْحٍ أَنَّهُ لَوْ مَاتَ قَبْلَ العِلْمِ، بَلْ ظَاهِرُهُ: بَعْدَ أَنْ عَلِمْتَ وَأُمِرْتَ بِنَزْعِهَا. (?)

- يُشْرَعُ عِنْدَ الإِصَابَةِ بِالعَيْنِ فِعْلُ الرُّقْيَةِ بَدَلًا مِنْ تَعْلِيْقِ التَّمَائِمِ، فَعَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا؛ قَالَتْ: (أَمَرَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَسْتَرْقِيَ مِنَ العَيْنِ) (?)، وَقَدْ مَرَّ مَعَنَا حَدِيْثُ (لَا رُقْيَةَ إِلَّا مِنْ عَيْنٍ أَوْ حُمَةِ).

وَالرُّقيَةُ هِيَ مِنْ جِنْسِ الدُّعَاءِ وَهُوَ مِمَّا جَعَلَهُ اللهُ سَبَبًا لِرَدِّ البَلَاءِ قَبْلَ وُقُوْعِهِ أَصْلًا، كَمَا فِي حَدِيْثِ ثَوْبَان مَرْفُوْعًا (لَا يَرُدُّ القَدَرَ إِلَّا الدُّعَاءُ، وَلَا يَزِيْدُ فِي العُمُرِ إِلَّا البِرُّ) (?)، فَتأمَّلْ قَوْلَهُ (لَا يَرُدُّ القَدَرَ إِلَّا الدُّعَاُء) حَيْثُ أَنَّ الاسْتِثْنَاءَ بَعْدَ النَّفْي يُفِيْدُ الحَصْرَ.

وَفِي الحَدِيْثِ (الدُّعَاءُ يَنْفَعُ مِمَّا نَزَلَ وَمِمَّا لَمْ يَنْزَلْ، فَعَلَيْكُمْ عِبَادَ اللهِ بِالدُّعَاءِ) (?)، فَهُوَ صَرِيْحٌ فِي دَفْعِ البَلَاءِ وَرَفْعِهِ.

- فِي قَوْلِهِ (فَإِنَّكَ لَوْ مِتَّ وَهِيَ عَلَيْكَ؛ مَا أَفْلَحْتَ أَبَدًا): أَيْ: لَوْ مَاتَ وَلَمْ يَتُبْ مِنْهَا مَا أَفْلَحَ أَبَدًا، فَهُوَ دَلِيْلٌ عَلَى أَنَّ الشِّرْكَ لَا يُغْفَرُ حَتَّى وَلَوْ كَانَ شِرْكًا أَصْغَرًا، فَهُوَ يُعذَّبُ بِهِ - وَإِنْ كَانَ لَا يعذَّبُ تَعْذِيْبَ المُشْرِكِ الشِّرْكَ الأَكْبَرَ - فَهُوَ لَا يُخَلَّدُ فِي النَّارِ، لَكِنْ يُعَذَّبُ بِهِ بِقَدَرِهِ (?)، فَفِيْهِ شَاهِدٌ لِكَلَامِ الصَّحَابَةِ: أَنَّ الشِّرْكَ الأَصْغَرَ أَكْبَرُ مِنَ الكَبَائِرِ. (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015