6) قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الحَدِيْثِ القُدُسِيِّ: (وَلَا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ، فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ الَّذِيْ يَسْمَعُ بِهِ، وَبَصَرَهُ الَّذِيْ يُبْصِرُ بِهِ، وَيَدَهُ الَّتِيْ يَبْطِشُ بِهَا، وَرِجْلَهُ الَّتِيْ يَمْشِيْ بِهَا، وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ). صَحِيْح البُخَارِيِّ. (?)
وَقَدْ أَخَذَ السَّلَفُ أَهْلُ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ بِظَاهِرِ الحَدِيْثِ وَأَقَرُّوْهُ عَلَى حَقِيْقَتِهِ، وَلَكِنْ مَا ظَاهِرُ هَذَا الحَدِيْثِ؟ هَلْ يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يَكُوْنُ سَمْعَ الوَلِيِّ وَبَصَرَهُ وَيَدَهُ وَرِجْلَهُ؟ أَوْ يُقَالُ: إِنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُسَدِّدُ الوَلِيَّ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَيَدِهِ وَرِجْلِهِ بِحَيْثُ يَكُوْنُ إِدْرَاكُهُ وَعَمَلُهُ للهِ وَبِاللهِ وَفِي اللهِ؟
وَلَا رَيْبَ أَنَّ القَوْلَ الأَوَّلَ لَيْسَ هُوَ ظَاهِرُ الكَلَامِ؛ بَلْ وَلَا يَقْتَضِيْهِ الكَلَامُ لِمَنْ تَدَبَّرَ الحَدِيْثَ، فَإِنَّ اللهَ تَعَالَى قَالَ: (وَلَا يَزَالُ عَبْدِيْ يَتَقَرَّبُ إِلَيَّ بِالنَّوَافِلِ حَتَّى أُحِبَّهُ؛ فَإِذَا أَحْبَبتُهُ كُنْتُ سَمْعَهُ ...)، وَقَالَ: (وَلَئِنْ سَأَلَنِيْ لأُعطِيَنَّهُ، وَلَئِنْ اسْتَعَاذَنِيْ لأُعِيْذَنَّهُ) فَأَثْبَتَ عَبْدًا وَمَعْبُوْدًا، وَمُتَقَرِّبًا وَمُتَقَرَّبًا إِلَيْهِ، وَمُحِبًّا وَمَحْبُوْبًا، وَسَائِلًا وَمَسْئُوْلًا، وَمُعْطِيًا وَمُعْطَىً، وَمُسْتَعِيْذًا وَمُسْتَعَاذًا بِهِ، فَسِيَاقُ الحَدِيْثِ يَدُلُّ عَلَى اثْنَيْنِ مُتَبَايِنَيْنِ؛ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا غَيْرُ الآخَرِ.
وَإِذَا تَبَيَّنَ بُطْلَانُ القَوْلِ الأَوَّلِ وَامْتِنَاعُهُ تَعَيَّنَ القَوْلُ الثَّانِي - وَهُوَ ظَاهِرُ سِيَاقِ الحَدِيْثِ حَيْثُ جُعِلَ ذَلِكَ مِنْ بَابِ الإِثَابَةِ وَالإِعَانَةِ - وَهُوَ أَنَّ اللهَ تَعَالَى يُسَدِّدُ هَذَا الوَلِيَّ فِي سَمْعِهِ وَبَصَرِهِ وَعَمَلِهِ، وَهَذَا مَا فَسَّرَهُ بِهِ السَّلَفُ، وَهُوَ تَفْسِيْرٌ مُطَابِقٌ لِظَاهِرِ اللَّفْظِ وَمُوَافِقٌ لِحَقِيْقَتِهِ وَمُتَعَيِّنٌ بِسِيَاقِهِ، وَلَيْسَ فِيْهِ تَأْوِيْلٌ وَلَا صَرْفٌ لِلكَلَامِ عَنْ ظَاهِرِهِ، وَللهِ الحَمْدُ وَالمِنَّةُ. (?) (?)