- هَذَا البَابُ أَرْفَعُ رُتْبَةً مِنَ البَابِ السَّابِقِ، فَإِنَّ فِيْهِ (مَنْ حَقَّقَ التَّوْحِيْدَ دَخَلَ الجَنَّةَ بِلَا حِسَابٍ وَلَا عَذَابٍ)، وَتَحْقِيْقُ التَّوْحِيْدِ هُوَ تَصْفِيَةُ التَّوْحِيْدِ وَالشَّهَادَتَيْنِ مِنْ شَوَائِبِ الشِّرْكِ وَالبِدَعِ وَالمَعَاصِيْ.
فَلَا يُكْتَفَى فِيْهِ بِتَرْكِ شِرْكِ العُبُوْدِيَّةِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنْ أَنْ لَا يُشْرِكَ هَوَاهُ فِي الطَّاعَةِ، وَإِذَا أَشْرَكَ المَرْءُ هَوَاهُ أَتَى بِالبِدَعِ وَأَتَى بِالمَعْصِيَةِ، فَصَارَ نَفْيُ الشِّرْكِ هُنَا نَفْيًا لِلشِّرْكِ بِأَنْوَاعِهِ، وَنَفْيًا لِلبِدْعَةِ، وَنَفْيًا لِلمَعْصِيَةِ، وَهَذَا هُوَ تَحْقِيْقُ التَّوْحِيْد للهِ تَعَالَى. (?)
- قَوْلُهُ (لَا يَسْتَرْقُوْنَ): أَيْ: لَا يَطْلُبُوْنَ الرُّقْيَةَ، وَالطَّالِبُ لِلرُّقْيَةِ فِي قَلْبِهِ مَيْلٌ وَتَعَلُّقٌ بِالرَّاقِي حَتَّى يُرْفَعَ مَا بِهِ - أَيْ: مِنْ جِهَةِ السَّبَبِ -، وَهَذَا يُنَافِي كَمَالَ التَّوَكُّلِ عَلَى اللهِ جَلَّ جَلَالُهُ. (?)
وِإِنَّ مَنْ تَرَكَ طَلَبَ الرُّقْيَةِ - الَّتِيْ هِيَ فِي أَصْلِهَا جَائِزَةٌ - مِنْ رَجُلٍ حَيٍّ حَاضِرٍ قَادِرٍ عَلَيْهَا؛ أَفَلَا يَكُوْنُ أَبْعَدَ عَنْ أَنْ يَطْلُبَ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ إِلَّا اللهُ مِنْ غَيْرِ اللهِ مِنْ مَقْبُوْرٍ أَوْ غَائِبٍ؟! فَظَهَرَ بِذَلِكَ سِرُّ اسْتِحْبَابِ تَرْكِ الرُّقْيَةِ وَأَنَّ ذَلِكَ لِكَوْنِهَا مِنْ كَمَالِ التَّوْحِيْدِ المُسْتَحَبِّ.
- ذَكَرَ المُؤَلِّفُ فِي هَذَا البَابِ آيَتِيْنِ، وَمُنَاسَبَتُهُمَا لِلبَابِ الإِشَارَةُ إِلَى تَحْقِيْقِ التَّوْحِيْدِ، وَأَنَّهُ لَا يَكُوْنُ إِلَّا بِانْتِفَاءِ الشِّرْكِ كُلِّهِ.
- فِي ذِكْرِ إِبْرَاهِيْمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بَيَانُ أَرْبَعِ صِفَاتٍ لَهُ، وَهِيَ:
1 - أَنَّهُ كَانَ إِمَامًا، فَهُوَ قُدْوَةٌ لِغَيْرِهِ فِي التَّوْحِيْدِ، فَقَدْ أَتَى بِكَمَالِ التَّوْحِيْدِ، كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيْمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا} (البَقَرَة:124)، وَقَوْلِهِ تَعَالَى {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيْمَ وَالَّذِيْنَ مَعَهُ} (المُمْتَحَنَة:4).
2 - أَنَّهُ كَانَ قَانِتًا للهِ، أَيْ: دَائِمَ الطَّاعَةِ للهِ.
3 - أَنَّهُ كَانَ حَنِيْفًا (?)؛ أَيْ: مَائِلًا عَنْ سَبِيْلِ المُشْرِكِيْنَ؛ وَالَّذِيْ هُوَ الابْتِدَاعُ وَالقَوْلُ عَلَى اللهِ بِلَا عِلْمٍ.
4 - أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مِنَ المُشْرِكِيْنَ، فَهُوَ لَمْ يَجْعَلْ مَعَ اللهِ مَعْبُوْدًا آخَرَ. (?)
- لَا بُدَّ مِنَ العِلْمِ أَنَّ ثَنَاءَ اللهِ تَعَالَى عَلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ لَا يُقْصَدُ مِنْهُ مُجَرَّدُ الثَّنَاءِ عَلَيْهِ، وَلَكِنْ يُقْصَدُ بِهِ أَيْضًا مَحَبَّتُهُ، وَالاقْتِدَاءُ بِهِ.
- الحُمَةُ: بِضَمِّ الحَاءِ المُهْمَلَةِ وَتَخْفِيْفِ المِيْمِ: هِيَ سُمُّ العَقْرَبِ وَشَبَهُهَا.
- فِي عَرْضِ الأُمَمِ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيَانُ فَضِيْلَتِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَثْرَةِ أَتْبَاعِهِ، وَأَيْضًا تَسْلِيَتُهُ فِي أَنَّ مِنَ الأَنْبِيَاءِ مَنْ لَمْ يَأْتِ مَعَهُ أَحَدٌ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى أَيْضًا نَاصِرُهُ عَلَى مَنْ خَالَفَهُ وَخَذَلَهُ.
- حَدِيْثُ البَابَ جَاءَ فِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ بِلَفْظِ (فَاسْتَزَدْتُ رَبِّي عَزَّوَجَلَّ فَزادَنِي مَعَ كلِّ واحِدٍ سَبْعِيْنَ ألْفًا). (?)