- الفَصْلُ السَّادِسُ: فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ فِي المَسَاجِدِ المَبْنِيَّةِ عَلَى القُبُوْرِ:

اعْلَمْ أَنَّ كَرَاهَةَ الصَّلَاةِ فِي هَذِهِ المَسَاجِدِ هُوَ أَمْرٌ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ بَيْنَ العُلَمَاءِ, وَإنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي بُطْلَانِهَا. وَظَاهِرُ مَذْهَبِ الحَنَابِلَةِ أَنَّهَا لَا تَصِحُّ.

وَالحُكْمُ هُوَ عَلَى دَرَجَاتٍ:

1) مَنْ تَقَصَّدَ المَسْجِدَ لِأَجْلِ القَبْرِ؛ فَالصَّلَاةُ مُحَرَّمَةٌ، بَلْ وَبَاطِلَةٌ. (?)

2) مَنْ لَمْ يَتَقَصَّدِ المَسْجِدَ لِأَجْلِ القَبْرِ، فَيُقَالُ: إِنَّ الصَّلَاةَ مَنْهيٌّ عَنْهَا، وَلَكِنْ لَا يَظْهَرُ البُطْلَانُ. (?)

3) مَنْ لَمْ يَتَقَصَّدِ المَسْجِدَ لِأَجْلِ القَبْرِ، وَإنَّمَا صَلَّى اتِّفَاقًا - أَيْ صَادَفَهُ القَبْرُ -، فَهَذَا إِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يُدْرِكَ الجَمَاعَةَ فِي غَيْرِهِ مِنَ المَسَاجِدِ كَانَ هَذَا هُوَ الوَاجِبُ فِي حَقِّهِ، وَإلَّا صَلَّى فِيْهِ لِإِدْرَاكِ مَصْلَحَةِ صَلَاةِ الجَمَاعَةِ الوَاجِبَةِ فِي حَقِّهِ. (?)

- فَائِدَةٌ) لَا تُصَلَّى فِي المَقْبَرَةِ إِلَّا الجَنَازَةُ: (?)

قَالَ الحَافِظُ ابْنُ رَجَبٍ الحَنْبَلِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (فَتْحُ البَارِي) (?): (قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: (وَقَدْ قَالَ نَافِعُ - مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ -: صَلَّيْنَا عَلَى عَائِشَة وَأُمِّ سَلَمَةَ وَسَطَ البَقِيْعِ، وَالإِمَامُ يَوْمَئِذٍ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَحَضَرَ ذَلِكَ ابْنُ عُمَرَ). (?)

قُلْتُ: وَصَلَاةُ الجَنَازَةِ مُسْتَثْنَاةٌ مِنَ النَّهْي عِنْدَ الإِمَامِ أَحْمَدَ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ سَبَقَ قَوْلُ أَحْمَدَ فِي ذَلِكَ. وَقَالَ أَيْضًا: (لَا يُصَلَّى فِي مَسْجِدٍ بَيْنَ المَقَابِرِ إِلَّا الجَنَائِزُ؛ لِأَنَّ الجَنَائِزَ هَذِهِ سُنَّتُهَا) يُشِيْرُ إِلَى فِعْلِ الصَّحَابَةِ. قَالَ ابْنُ المُنْذِرِ: (وَرُوِّيْنَا أَنَّ وَاثِلَةَ بْنَ الأَسْقَعِ كَانَ يُصَلِّي فِي المَقْبَرَةِ، غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَسْتَتِرُ بِقَبْرٍ) (?)).

قُلْتُ: فَتُصَلَّى الجَنَازةُ فِي المُصَلَّى الخَاصِّ بِهَا عِنْدَ المَقْبَرَةِ، وَلَيْسَ بَيْنَ القُبُوْرِ، وَذَلِكَ لِحَدِيْثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ (أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهى أَنْ يُصَلَّى عَلَى الجَنَائِزِ بَيْنَ القُبُوْرِ). (?)

وَأَمَّا حَدِيْثُ صَلَاةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى المَرْأَةِ السَّوْدَاءِ الَّتِيْ كَانَتْ تَقُمُّ المَسْجِدَ فَجَائِزَةٌ كَمَا هُوَ ثَابِتٌ، وَلَكِنَّ التَّفْرِيْقَ بَيْنَ الحَالَتِيْنِ هُوَ أَنَّ النَّهْيَ عَنْ صَلَاةِ الجَنَازَةِ بَيْنَ القُبُوْرِ هُوَ قَبْلَ دَفْنِ المَيِّتِ، أَمَّا صُوْرَةُ الحَالَةِ الثَّانيةِ عِنْدَ القَبْرِ فَهِيَ بَعْدَ الدَّفْنِ لِمَنْ لَمْ يُصَلِّ عَلَيْهَا (?)، وَبِهَذَا تَجْتَمِعُ الأَدِلَّةُ. وَاللهُ أَعْلَمُ بِالصَّوَابِ. (?)