- الفَصْلُ الثَّانِي: مَعْنَى اتِّخَاذِ القُبْوْرِ مَسَاجِدَ؛ هُوَ ثَلَاثَةُ مَعَانِي:
1) الصَّلَاةُ عَلَى القُبُوْرِ بِمَعْنَى السُّجُوْدِ عَلَيْهَا، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (نَهَى نَبِيُّ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم أَنْ يُبْنَى عَلَى القُبُوْرِ، أَوْ يُقْعَدَ عَلَيْهَا، أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهَا) (?) , قَالَ ابْنُ حَجَرٍ الهَيْتَمِيُّ (?) فِي الزَّوَاجِرِ: (وَاتِّخَاذُ القَبْرِ مَسْجِدًا مَعْنَاهُ: الصَّلَاةُ عَلَيْهِ أَوْ إِلَيْهِ). (?)
2) السُّجُوْدُ إِلَيْهَا وَاسْتِقْبَالُهَا بِالصَّلَاَةِ وَالدُّعَاءِ، كَمَا فِي الحَدِيْثِ (لَا تُصَلُّوا إِلَى قَبْرٍ، وَلَا تُصَلُّوا عَلَى قَبْر). (?)
3) بِنَاءُ المَسَاجِدِ عَلَيْهَا وَقَصْدُ الصَّلَاةِ فِيْهَا، كَمَا فِي الصَّحِيْحَيْنِ (أُوْلَئِكَ إِذَا كَانَ فِيْهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ؛ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيْهِ تِلْكَ الصُّوَرَ، فَأُوْلَئِكَ شِرَارُ الخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ القِيَامَةِ). مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. (?)
وَكَمَا فِي صَحِيْحِ مُسْلِمٍ عَنْ جَابِرٍ؛ قَالَ: نَهَى رَسُوْلُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُجَصَّصَ القَبْرُ وَأَنْ يُقْعَدَ عَلَيْهِ وَأَنْ يُبْنَى عَلَيْهِ. (?) (?)
قَالَ الإِمَامُ الشَّافِعِيُّ رَحِمَهُ اللهُ فِي كِتَابِهِ (الأُمُّ) (?): (وَأَكْرَهُ أَنْ يُبْنَى عَلَى القَبْرِ مَسْجِدٌ؛ وَأَنْ يُسَوَّى، أَوْ يُصَلَّى عَلَيْهِ وَهُوَ غَيْرُ مُسَوَّى - يَعْنِي أَنَّهُ ظَاهِرٌ مَعْرُوْفٌ - أَوْ يُصَلَّى إِلَيْهِ. قَالَ: وَإِنْ صَلَّى إِلَيْهِ أَجْزَأَهُ؛ وَقَدْ أَسَاءَ.
أَخْبَرَنَا مَالِكٌ؛ أَنَّ رَسُوْلَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (قَاتَلَ اللهُ اليَهُوْدَ وَالنَّصَارَى؛ اتَّخَذُوا قُبُوْرَ أَنْبِيَائِهِم مَسَاجِدَ). قَالَ: وَأَكْرَهُ هَذَا لِلسُّنَّةِ وَالآثَارِ، وَأنَّهُ كَرِهَ - وَاللهُ تَعَالَى أَعْلَمُ - أَنْ يُعَظَّمَ أَحَدٌ مِنَ المُسْلِمِيْنَ - يَعْنِي: يُتَّخَذَ قَبْرُهُ مَسْجِدًا - وَلَمْ تُؤْمَنْ فِي ذَلِكَ الفِتْنَةُ وَالضَّلَالُ). (?)
وَلَا فَرْقَ بَيْنَ بِنَاءِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ، أَوْ إِدْخَالِ المَسْجِدِ عَلَى القَبْرِ؛ لِأَنَّ المَحْذُوْرَ وَاحِدٌ.
قَالَ الحَافِظُ العِرَاقِيُّ رَحِمَهُ اللهُ (?): (وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ، وَأَنَّهُ إذَا بُنِيَ المَسْجِدُ لِقَصْدِ أَنْ يُدْفَنَ فِي بَعْضِهِ أَحَدٌ؛ فَهُوَ دَاخِلٌ فِي اللَّعْنَةِ، بَلْ يَحْرُمُ الدَّفْنُ فِي المَسْجِدِ.
وَإِنْ شَرَطَ أَنْ يُدْفَنَ فِيْهِ لَمْ يَصِحَّ الشَّرْطُ لِمُخَالَفَتِهِ لِمُقْتَضَى وَقْفِهُ مَسْجِدًا. وَاَللَّهُ أَعْلَمُ). (?) (?)