- الأَدِلَّةُ التَّفْصِيْلِيَّةُ:

الدَّلِيْلُ الأَوَّلُ) قَوْلُهُ تَعَالَى {وَمَا يَسْتَوِي الأَحْيَاءُ وَلَا الأَمْوَاتُ إِنَّ اللهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي القُبُوْرِ} (فَاطِر:22).

وَقَوْلُهُ تَعَالَى {إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ المَوْتَى وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِيْنَ} (النَّمْل:80) وَ (الرُّوْم:52). (?)

وَوَجْهُ الدِّلَالَةِ أَنَّ اللهَ تَعَالَى نَصَّ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَطِيْعُ إِسْمَاعَ مَنْ فِي القُبُوْرِ، وَفِي الآيَةِ الثَّانِيَةِ أَنَّهُ لَا يَسْتَطِيْعُ إِسْمَاعَ المَوْتَى، فَغَيْرُهُ مِنْ بَابِ أَوْلَى.

شُبْهَةٌ وجَوَابُهَا:

اعْتَرَضَ المُثْبِتُوْنَ لِلسَّمَاعِ بِأَنَّ الآيَتَيْنِ مَجَازٌ، وَأَنَّهُ لَيْسَ المَقْصُوْدُ - في الآيَتَيِنْ - بِـ (المَوْتَى) وَبِـ (مَنْ فِي القُبُوْرِ) المَوْتَى حَقِيْقَةً الَّذِيْنَ فِي قُبُوْرِهِم، وَإِنَّمَا المُرَادُ بِهِم الكُفَّارُ الأَحْيَاءُ حَيْثَ شُبِّهُوا بِالمَوْتَى. (?)

وَالجَوَابُ:

أَنَّهُ لَا شَكَّ عِنْدَ كُلِّ مَنْ تَدَبَّرَ الآيَتَيْنِ وَسِياَقَهُمَا أَنَّ المَقْصُوْدَ بِالأَمْوَاتِ هُنَا هُمُ الكُفَّارُ فِعْلًا، وَعَلَى ذَلِكَ جَرَى عُلَمَاءُ التَّفْسِيْرِ لَا خِلافَ بَيْنَهُم فِي ذَلِكَ، وَلَكِنَّ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنَ الاسْتِدْلَالِ بِالآيَتَيْنِ عَلَى مَا سَبَقَ، لِأَنَّ المَوْتَى لَمَّا كَانُوا لَا يَسْمَعُوْنَ حَقِيْقَةً - وَكَاَنَ ذَلِكَ مَعْرُوْفًا عِنْدَ المُخَاطَبِيْنَ - شَبَّهَ اللهُ تَعَالَى بِهِمُ الكُفَّارَ الأَحْيَاءَ فِي عَدَمِ السَّمَاعِ، فَدَلَّ هَذَا التَّشْبِيْهُ عَلَى أَنَّ المُشَبَّهَ بِهِم - وَهُمُ المَوْتَى فِي قُبُوْرِهِم - لَا يَسْمَعُوْنَ.

كَمَا يَدُلُّ مَثَلًا تَشْبِيْهُ زَيْدٍ فِي الشَّجَاعَةِ بِالأَسَدِ عَلَى أَنَّ الأَسَدَ شُجَاعٌ؛ بَلْ هُوَ فِي ذَلِكَ أَشْجَعُ مِنْ زَيْدٍ نَفْسِهِ؛ وَلِذَلِكَ شُبِّهَ بِهِ - وَإِنْ كَانَ الكَلَامُ لَمْ يُسَقْ لِلتَّحَدُّثِ عَنْ شَجَاعَةِ الأَسَدِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا عَنْ زَيْدٍ - وَكَذَلِكَ الآيَتَانِ السَّابِقَتَانِ وَإِنْ كَانَتَا تَحَدَّثَتَا عَنِ الكُفَّارِ الأَحْيَاءِ؛ وشُبِّهُوا بِمَوْتَى القُبُوْرِ، فَذَلِكَ لَا يَنْفِي أَنَّ مَوْتَى القُبُوْرِ لَا يَسْمَعُوْنَ، بَلْ إِنَّ كُلَّ عَرَبِيٍّ - سَلِيْمَ السَّلِيقَةِ - لَا يَفْهَمُ مِنْ تَشْبِيْهِ مَوْتَى الأَحْيَاءِ بَهَؤُلَاءِ إِلَّا أَنَّ هَؤُلَاءَ أَشَدُّ فِي عَدَمِ السَّمَاعِ مِنْهُم كَمَا فِي المِثَالِ السَّابِقِ. (?)

قَالَ ابْنُ جَرِيْرٍ فِي تَفْسِيْرِهِ لِهَذِهِ الآيَةِ (?): (هَذَا مَثَلٌ مَعْنَاهُ: فَإِنَّكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ هَؤُلَاءِ المُشْرِكِيْنَ الَّذِيْنَ قَدْ خَتَمَ اللهُ عَلَى أَسْمَاعِهِم - فَسَلَبَهُم فَهْمَ مَا يُتْلَى عَلَيْهِم مِنْ مَوَاعِظِ تَنْزِيلِهِ - كَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُفْهِمَ المَوْتَى الَّذِيْنَ سَلَبَهُمُ اللهُ أَسْمَاعَهُم بِأَنْ تَجْعَلَ لَهُم أَسْمَاعًا.

وَقَوْلُهُ {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} يَقُوْلُ: كَمَا لَا تَقْدِرُ أَنْ تُسْمِعَ الصُّمَّ الَّذِيْنَ قَدْ سُلِبُوا السَّمْعَ إِذَا وَلَّوا عَنْكَ مُدْبِرِيْنَ (?)، كَذَلِكَ لَا تَقْدِرُ أَنْ تُوَفِّقَ هَؤُلَاءِ الَّذِيْنَ قَدْ سَلَبَهُم اللهُ فَهْمَ آيَاتِ كِتَابِهِ لِسَمَاعِ ذَلِكَ وَفَهْمِهِ). (?)

ثُمَّ رَوَى بِإِسْنَادِهِ الصَّحِيْحِ عَنْ قَتَادَةَ؛ قَالَ: (هَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلكَافِرِ، فَكَمَا لَا يَسْمَعُ المَيِّتُ الدُّعَاءَ؛ كَذَلِكَ لَا يَسْمَعُ الكَافِرُ، {وَلا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ} يَقُوْلُ: لَوْ أَنَّ أَصَمًّا وَلَّى مُدْبِرًا ثُمَّ نَادَيْتَهُ لَمْ يَسْمَعْ، كَذَلِكَ الكَافِرُ لَا يَسْمَعُ وَلَا يَنْتَفِعُ بِمَا سَمِعَ)). (?) (?)

طور بواسطة نورين ميديا © 2015