وأما البخاري: فإنه يفرقها في الأبواب اللائقة بها، لكن ربما كان ذلك الحديث ظاهرًا أو ربما كان خفيًّا، والخفي ربما حصل تناوله بالاقتضاء أو باللزوم أو بالتمسك بالعموم، أو بالرمز إلى مخالفة مخالف، أو بالإشارة إلى أن في بعض طرق ذلك الحديث ما يعطي المقصود، وإن خلا عنه لفظ المتن المساق هناك تنبيهًا على ذلك المشار إليه بذلك، وأنه صالح لأن يحتج به، وإن كان لا يرتفع إلى درجة شرطه، واحتاج لذلك أن يكون الأحاديث، لأن كثيرًا من المتون يشتمل على عدة أحكام، فيحتاج أن يذكر في كل باب يليق به حكم منه ذلك الحديث بعينه، فإن ساقه بتمامه إسنادًا ومتنًا طال، وإن أهمله فلا يليق به، فيحدث فيه بوجوه من التصرف، وهو أنه ينظر الإسناد إلى غاية من يدور عليه الحديث من الرواة، أي ينفرد بروايته، فيخرجه من باب عن راوٍ يرويه عن ذلك المنفرد، وفي باب آخر عن راوٍ آخر عن ذلك المنفرد وهلم جرّا، فإن كثرت الأحكام في عدد الرواة عدل عن سياقه تام الإسناد، وإلى اختصاره معلقًا.
وهذه إحدى النكت في تعليقه ما وصله في موضع آخر، وإن صارت مخرجة كأن يكون فردًا مطلقًا تصرف حينئذ في المتن، فيسوقه تارة تامًّا، وتارة مختصرًا، أم أنه حال تصنيفه كأن بسط التراجم والأحاديث، فجعل لكل ترجمة حديثًا يلائمها، وبقيت عليه تراجم لم يجد في الحالة الراهنة ما يلائمها، فأخلاها عن الحديث، وبقيت عليه أحاديث لم يتضح له ما يرتضيه في الترجمة عنها، فجعل لها أبوابًا بلا تراجم، فيوجد فيه أحيانًا باب مترجم وليس فيه سوى آية أو كلام لصحابي أو تابعي، وأحيانًا باب