لِلْمُصْحَفِ الْعَزِيزِ فِي الْقَاذُورَةِ ... وَسَجْدَةٍ لِكَوْكَبٍ وَصُورَةِ" (?)

37. الحافظ محمد بن أبي بكر ابن قيِّم الجوزيَّة. ت:751هـ

قال في "كتاب الصّلاة": ((وشعب الإيمان قسمان: قوليّة، وفعليّة، وكذلك شُعَبُ الكفر نوعان: قوليّة وفعليّة، ومن شعَبِ الإيمان القوليَّة: شعبةٌ يوجب زوالها زوالَ الإيمان فكذلك من شعبِهِ الفعليّة ما يوجب زوالَ الإيمان. وكذلك شعبُ الكفر القوليَّة والفعليَّة، فكما يكفر بالإتيان بكلمة الكفر اختياراً، وهي شعبة من شعب الكفر، فكذلك يكفر بفعل شعبةٍ من شُعبه كالسُّجود للصَّنم، والاستهانَة بالمصحفِ، فهذا أصل.

وها هنا أصلٌ آخرُ، وهو أنَّ حقيقة الإيمان مركَّبةٌ من قولٍ وعمل. والقول قسمان: قول القلب، وهو الاعتقاد، وقول اللسان، وهو التكلم بكلمة الإسلام. والعمل قسمان: عمل القلب، وهو نيَّته وإخلاصه، وعمل الجوارح، فإذا زالَت هذه الأربعة، زالَ الإيمانُ بكمالِه، وإذا زالَ تصديقُ القلب، لم تنفع بقيَّة الأجزاء، فإنَّ تصديقَ القلب شرطٌ في اعتقادها وكونها نافِعةً. وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصِّدق، فهذا موضعُ المعركة بين المرجئة وأهل السُّنة، فأهلُ السُّنة مجمعون على زوالِ الإيمان، وأَنَّه لا ينفع التَّصديق مع انتفاءِ عملِ القلب، وهو محبَّته وانقياده كما لم ينفع إبليس وفرعون وقومه واليهود والمشركين الذين كانوا يعتقدون صدقَ الرَّسول، بل ويقرُّون به سرّاً وجهراً ويقولون: ليس بكاذب، ولكن لا نتَّبعه، ولا نؤمن به.

وإذا كان الإيمان يزول بزوال عمل القلب، فغير مستنكرٍ أَنْ يزولَ بزوالِ أعظم أعمالِ الجوارح (?) ، ولا سيَّما إذا كان ملزوماً لعدم محبَّة القلب وانقياده الذي هو ملزومٌ لعدم التَّصديق الجازم كما تقدَّم تقريره،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015