العِيْنَة قد يتَّهمه بالسَّماحة المفرطة، التي تُؤدي بصاحبها إلى تحليلِ ما حرَّم الله بِحُجَّة التَّخفيف، والتيسير على النَّاس، وقد جرى هذا معي حينما أخبرتُ شَخْصًا عن موقف العلماءِ من بيع العِيْنَة، ولا يصحُّ أن ينسبَ للشّافعيّ -رحمه الله- ولا لغيره من الأئمة شيء من هذا، يقول ابنُ القيِّم: "والمتأخِّرون أحدثوا حِيَلًا لم يصحَّ القولُ بها عن أحد من الأئمة، ونَسَبوها إلى الأئمة وهم مُخْطئون في نِسْبتِها إليهم، ولهم مع الأئمة موقفٌ بين يدي الله -عز وجل-، ومن عرف سيرةَ الشافعي وفَضْله، ومكانه من الإسلام، عَلِم أنه لم يكنْ معروفًا بفعل الحِيَل، ولا بالدَّلالة

عليها، ولا كان يُشير على مسلم بها. . . وهكذا في مسألة العِيْنَة، إنما جَوَّزَ الشَّافعيُّ أن يبيعَ السِّلْعَةَ ممن اشتراها منه جَرْيًا على ظاهر عقود المسلمين، وسلامتها من المكر والخِداع، ولو قيل للشَّافعي: إنَّ المتعاقدين قد تواطآ على ألفٍ بألف ومئتين، وتراوضا على ذلك، وجعلا السِّلعة محلّلًا للربا، لم يجز ذلك، ولأنكره غاية الإنكار" (?).

وممَّا سبقَ يتبينُ أنَ الشَّافعيَّ -رحمه الله- لا يقول بجواز الحِيَل المذمومة المناقضة لنصوصِ الشَّريعة وقواعدها، ولا يأمرُ الناس بالكذب والخداع، وإنما قال بجواز العِيْنَة للأسباب التالية:

1 - أن حديثَ ابن عمر - رضي الله عنه - لم يبلغه، ولو بلغه لَحَسَمَ النِّزاع، وحَكَم بتحريم العِيْنَة كالجُمْهُور، جَرْيًا على قاعدته الذهبية: [إذا صحَّ الحديثُ فهو مذهبي].

2 - أنه لا يرى ثبوتَ خَبَرِ عائشةَ - رضي الله عنها -، ولو ثبت عنده فلا يرى فيه دلالة تحريمِ العِيْنَة، كما سبقَ بيانه.

3 - أن الإمامَ الشَّافعيَّ بيَّن موقفه من العقودِ عامة، فالعبرةُ في العقودِ عنده

طور بواسطة نورين ميديا © 2015