ليظْهر الْحق بنوره وَالْبَاطِل بظلمته وعَلى ذَلِك دلّ الله بِالَّذِي ثَبت بالأدلة المعجزة أَنه مِنْهُ من نَحْو الْقُرْآن الَّذِي عجز الْإِنْس وَالْجِنّ أَن يَأْتُوا بِمثلِهِ مَعَ الْأَمر بِهِ بقوله {سنريهم آيَاتنَا فِي الْآفَاق} إِلَى آخر السُّورَة وَقَوله {أَفلا ينظرُونَ إِلَى الْإِبِل} وَقَوله {إِن فِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} وَقَوله {وَفِي أَنفسكُم أَفلا تبصرون} وَغير ذَلِك مِمَّا رغب فِي النّظر وألزم الإعتبار وَأمر بالتفكر والتدبر وَأخْبر أَن ذَلِك يوقفهم على الْحق وَيبين لَهُم الطَّرِيق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
مَعَ مَا لَيْسَ لمن يُنكر النّظر على دَفعه دَلِيل سوى النّظر فَدلَّ ذَلِك على لُزُوم النّظر بِمَا بِهِ دَفعه مَعَ مَا لَا بُد من معرفَة مَا فِي الْخلق من الْحِكْمَة إِذْ لَا يجوز فعل مثله عَبَثا وَمَا فِيهِ من الدّلَالَة على من أنشأه أَو على كَونه بِنَفسِهِ أَو حدث أَو قدم وكل ذَلِك مِمَّا لَا سَبِيل إِلَى الْعلم بِهِ إِلَّا بِالنّظرِ على أَن الْبشر خص بِملك تَدْبِير الْخَلَائق والمحنة فِيهَا وَطلب الْأَصْلَح لَهُم فِي الْعُقُول وَاخْتِيَار المحاسن فِي ذَلِك وإتقاء مضادة ذَلِك وَلَا سَبِيل إِلَى معرفَة ذَلِك إِلَّا بإستعمال الْعُقُول بِالنّظرِ فِي الْأَشْيَاء على أَن مفزع الْكل عِنْد النوائب وَاعْتِرَاض الشّبَه إِلَى النّظر فِي ذَلِك والتأمل فَدلَّ أَنه يدل على الْحَقَائِق ويوصل بِهِ إِلَيْهَا على نَحْو الْفَزع عِنْد اشْتِبَاه اللَّوْن إِلَى الْبَصَر وَالصَّوْت إِلَى السّمع وَكَذَا كل شَيْء إِلَى الحاسة الَّتِي بهَا دركها فَمثله النّظر وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
على أَن محَاسِن الْأَشْيَاء ومساويها وَمَا قبح من الْأَفْعَال وَمَا حسن مِنْهَا فَإِنَّمَا نِهَايَة الْعلم بعد وُقُوع الْحَواس عَلَيْهَا وورود الْأَخْبَار فِيهَا إِذا أُرِيد تَقْرِير كل جِهَة من ذَلِك فِي الْعُقُول والكشف عَن وُجُوه مَا لَا سَبِيل إِلَى ذَلِك إِلَّا بِالتَّأَمُّلِ وَالنَّظَر فِيهَا وعَلى ذَلِك أَمر المكاسب الضارة والنافعة على أَن الْبشر جبل