سَتَرَوْنَ ربكُم يَوْم الْقِيَامَة كَمَا ترَوْنَ الْقَمَر لَا تضَامون وَسُئِلَ هَل رَأَيْت رَبك فَقَالَ بقلبي قيل فَلم يُنكر على السَّائِل السُّؤَال وَقد علم السَّائِل أَن رُؤْيَة الْقلب هِيَ الْعلم وَأَنه قد علمه وَأَنه لم يسْأَل عَن ذَلِك وَقد حذر الله عز وَجل الْمُؤمنِينَ عَن السُّؤَال عَن أَشْيَاء قد كفوا عَنْهَا بقوله {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا لَا تسألوا عَن أَشْيَاء} فَكيف يحْتَمل أَن يكون السُّؤَال عَن مثله بحي وَذَلِكَ كفر فِي الْحَقِيقَة عِنْد قوم ثمَّ لَا ينهاهم عَن ذَلِك وَلَا يوبخهم فِي ذَلِك بل يلين القَوْل فِي ذَلِك وَيرى أَن ذَلِك لَيْسَ ببديع وَالله الْمُوفق
وَأَيْضًا أَن الله تَعَالَى وعد أَن يجزى أحسن مِمَّا عمِلُوا بِهِ فِي الدُّنْيَا وَلَا شَيْء أحسن من التَّوْحِيد وَأَرْفَع قدرا من الْإِيمَان بِهِ إِذْ هُوَ المستحسن بالعقول وَالثَّوَاب الْمَوْعُود من جَوْهَر الْجنَّة حسنه حسن الطَّبْع وَذَلِكَ دون حسن الْعقل إِذْ لَا يجوز أَن يكون شَيْء حسنا فِي الْعُقُول لَا يستحسنه ذُو عقل وَجَائِز مَا استحسنه الطَّبْع أَن يكون طبع لَا يتلذذ بِهِ كطبع الْمَلَائِكَة وَمثله فِي الْعقُوبَة لذَلِك لزم القَوْل بِالرُّؤْيَةِ لتَكون كَرَامَة تبلغ فِي الْجَلالَة مَا أكْرمُوا بِهِ وَهُوَ أَن يصير لَهُم المعبود بِالْغَيْبِ شُهُودًا كَا صَار الْمَطْلُوب من الثَّوَاب حضورا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأَيْضًا أَن كلا يجمع على الْعلم بِاللَّه فِي الْآخِرَة الْعلم الَّذِي لَا يَعْتَرِيه الوسواس وَذَلِكَ علم العيان لَا علم الإستدلال وَكثر الْآيَات لَا تحقق علم الْحق الَّذِي لَا يعتري ذَلِك دَلِيله قَوْله {وَلَو أننا نزلنَا إِلَيْهِم الْمَلَائِكَة} وَمَا ذكر من استعانة الْكَفَرَة بالتكذيب فِي الْآخِرَة وإنكار الرُّسُل وَقَوْلهمْ لم نمكث إِلَّا سَاعَة من النَّهَار وَغير ذَلِك
وَبعد فَإِنَّهُ إِذْ لَا يجوز أَن يصير علم العيان نَحْو علم الإستدلال لم يجز أَن يصير علم الإستدلال نَحْو علم العيان فَثَبت أَن الرُّؤْيَة توجب ذَلِك