قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله ثمَّ القَوْل بالكون على الْعَرْش وَهُوَ مَوضِع بِمَعْنى كَونه بِذَاتِهِ أَو فِي كل الْأَمْكِنَة لَا يعدو من إحاطة ذَلِك بِهِ أَو الإستواء بِهِ أَو مجاوزته عَنهُ وإحاطته بِهِ فَإِن كَانَ الأول فَهُوَ إِذا مَحْدُود بِهِ محاط مَنْقُوص عَن الْخلق إِذْ هُوَ دونه وَلَو جَازَ الْوَصْف لَهُ بِذَاتِهِ بِمَا يُحِيط بِهِ من الْأَمْكِنَة لجَاز بِمَا يُحِيط بِهِ من الْأَوْقَات فَيصير متناهيا بِذَاتِهِ مقصرا عَن خلقه وَإِن كَانَ على الْوَجْه الثَّانِي فَلَو زيد على الْخلق لَا ينقص أَيْضا وَفِيه مَا فِي الأول وَإِن كَانَ على الْوَجْه الثَّالِث فَهُوَ الْأَمر الْمَكْرُوه الدَّال على الْحَاجة وعَلى التَّقْصِير من أَن ينشئ مَا لَا يفضل عَنهُ مَعَ مَا يذم ذَا من فعل الْمُلُوك أَن لَا يفضل عَنْهُم من المعامد شَيْئا
وَبعد فَإِن فِي ذَلِك تجزئة بِمَا كَانَ بعضه فِي ذِي أبعاض وَبَعضه يفضل عَن ذَلِك وَذَلِكَ كُله وصف الْخَلَائق وَالله يتعالى عَن ذَلِك
وَبعد فَإِنَّهُ لَيْسَ فِي الإرتفاع إِلَى مَا يَعْلُو من الْمَكَان للجلوس أَو الْقيام شرف وَلَا علو وَلَا وصف بالعظمة والكبرياء كمن يَعْلُو السطوح أَو الْجبَال إِنَّه لَا يسْتَحق الرّفْعَة على من دونه عِنْد إستواء الْجَوْهَر فَلَا يجوز صرف تَأْوِيل الْآيَة إِلَيْهِ مَعَ مَا فِيهَا ذكر العظمة والجلال إِذْ ذكر فِي قَوْله تَعَالَى {إِن ربكُم الله الَّذِي خلق السَّمَاوَات وَالْأَرْض} فدلك على تَعْظِيم الْعَرْش أَي شَيْء كَانَ من نور أَو جَوْهَر لَا يبلغهُ علم الْخلق وَقد روى عَن نَبِي الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم أَنه وصف الشَّمْس أَن جِبْرِيل يَأْتِيهَا بكف من ضوء الْعَرْش فيلبسها كَمَا يلبس أحدكُم قَمِيصه كل يَوْم تطلع وَذكر فِي الْقَمَر كفا من نور الْعَرْش فإضافة الإستواء إِلَيْهِ لوَجْهَيْنِ أَحدهمَا على تَعْظِيمه بِمَا ذكره على أثر ذكر سُلْطَانه فِي ربوبيته وخلقه مَا ذكر وَالثَّانِي على تَخْصِيصه بِالذكر بِمَا هُوَ أعظم الْخلق وأجله على الْمَعْرُوف من إِضَافَة الْأُمُور الْعَظِيمَة إِلَى أعظم الْأَشْيَاء كَمَا يُقَال تمّ لفُلَان ملك بلد كَذَا واستوى