يكون الله بِذَاتِهِ متكلما مَعَ مَا لَا يَخْلُو أَن يكون المسموع عرضا فمحال كَونه فِي مكانين وَكَذَلِكَ الْجِسْم أَو لَا هما فمحال كَونه فِي مَكَان وَعَن الْمَكَان يسمع فَثَبت أَن وَجه الْإِضَافَة إِلَيْهِ على مَا ذكرنَا مَعَ مَا يجوز أَن يسمعنا الله كَلَامه بِمَا لَيْسَ بِكَلَامِهِ كَمَا أسمع كل منا الآخر كَلَامه وَإِن لم يكن ذَلِك بِعَيْنِه كَلَامه وكما أعلمنَا قدرته وَعلمه وربوبيته بخلقه وَإِن لم يكن هُوَ هُوَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق
فَإِن قَالَ قَائِل هَل أسمع الله كَلَامه مُوسَى حَيْثُ قَالَ {وكلم الله مُوسَى تكليما} قيل أسمعهُ بِلِسَان مُوسَى وبحروف خلقهَا وَصَوت أنشأه فَهُوَ أسمعهُ مَا لَيْسَ بمخلوق
وَالْقَوْل بِالْوَقْفِ يخرج على وَجْهَيْن أَحدهمَا أَن يُقَال لَيْسَ هُوَ الله وَلَا غَيره فَيكون وَقفا عَن علم وَهُوَ حق على مَا ثَبت فِي الْعلم وَالْقُدْرَة وَالثَّانِي أَن يكون لَا يعلم أخلق هُوَ أَو غَيره فَإِنَّهُ بعيد لما لَا يَخْلُو من أَن يذهب مَذْهَب التَّقْلِيد وَأكْثر الْقَوْم على نفى ذَلِك بل أجمع على لُزُوم الْعلم أَنه الْخلق أَو غَيره
وَبعد فَإِنَّهُ لَا يعدو من أَن يعلم أَنه بِذَاتِهِ مُتَكَلم فَيكون بِمَعْنى مَا ذكرت أَو لَا بِذَاتِهِ فَهُوَ غَيره وكل الأغيار لله خلق على مَا روى فِيهِ سمع أَو لَا ثَبت أَن القَوْل بالغيرية لله يُوجب الْحَدث وَالْحَدَث والخلق إِذْ هُوَ مِنْهُ أَو لَا يعلم أَنه بِذَاتِهِ مُتَكَلم أَو لَا فَيكون الْوَقْف وَقفا للْجَهْل بِهِ فَحق مثله التَّعَلُّم لِأَنَّهُ لَا دَلِيل دَفعه إِلَى ذَلِك القَوْل ليَتَكَلَّم فِيهِ إِنَّمَا هُوَ الْجَهْل أَو أَن يكون الْوَقْف بِمَا لَا يعلم مُرَاد السَّائِل فِيهِ أَنه مَا يعْنى بِكَلَام الله وَالْقُرْآن أهوَ هَذَا المتبعض المتجزئ أَو الَّذِي لَا يُوصف بِشَيْء من ذَلِك وَذَلِكَ على الْوَصْف الَّذِي بَينا فَهُوَ حق أَن لَا يُجيب لأحد يسْأَله عَن كَلَام مُتَوَجّه حَتَّى يعلم مَا يُرِيد بِهِ وَالله أعلم