وَأَيْضًا إِنَّا قد بَينا حدث الْعَالم لَا من شَيْء وَذَلِكَ نوع مَا لَا يبلغهُ إِلَّا فعل من هُوَ فِي غَايَة معنى الإختيار وَمَا يكون بالطبع فحقه الإضطرار ومحال أَن يكون من يبلغ شَأْنه إِلَى إنْشَاء الْأَشْيَاء لَا من شَيْء ثمَّ يكون ذَلِك بالطبع مَعَ مَا كَانَ وُقُوع الشَّيْء بالطبع هُوَ تَحت قهر آخر وَجعله بِحَيْثُ يسْقط عَنهُ الْإِمْكَان وَذَلِكَ آيَة الْحَدث وأمارة الضعْف جلّ رَبنَا عَن ذَلِك وَتَعَالَى مَعَ مَا جرى التعارف المتوارث من الْخلق بالدعوات والتضرع إِلَى الله تَعَالَى بالفرج وَأَنه قهر كَذَا وَنصر كَذَا وأعان فلَانا وخذل فلَانا وَأَن كل ذِي قُوَّة يفعل بِقُوَّة أَنْشَأَهَا وَلَا ينَال شَيْء من ذَلِك بالمضطر وَلَا يرغب فِيهِ دلّ ذَلِك على أَن الْعَالم بإختياره
فَإِذا ثَبت الإختيار ثبتَتْ لَهُ الْقُدْرَة على الْخلق والإرادة لكَونه على مَا هُوَ عَلَيْهِ لِأَن من لَا قدرَة لَهُ يخرج الَّذِي يكون مِنْهُ مضطربا فَاسِدا وَلَا يملك الشَّيْء وضده فَثَبت أَن مَا كَانَ مِنْهُ بقدرة كَانَ وإختيار وَذَلِكَ أَمَارَات الْفِعْل الْحَقِيقِيَّة فِي الشَّاهِد الَّذِي هُوَ أصل للْعلم بالغائب وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وعَلى مَا ذكرنَا من تواصل الْفِعْل أَعنِي الْوَاقِع بِهِ بِالْفِعْلِ وتتابع محكما متقنا هُوَ الدَّلِيل أَنه كَانَ فعله على الْعلم بِهِ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه وَأَيْضًا أَنه إِذْ خرج كل الْجَوَاهِر الَّتِي لَا يمْتَحن فِي مصَالح الممتحنين وَخلق كل شَيْء أُرِيد بِهِ الْبَقَاء مَعَ خلق مَا بِهِ بَقَاؤُهُ علم أَنه كَانَ بِمن يعلم كَيْفيَّة كل شَيْء وَحَاجته وَمَا بِهِ القوام والمعاش وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَأَيْضًا أَن الله سُبْحَانَهُ خلق الْخلق خلقا دلّ على حَدثهُ وعَلى أَن لَهُ مُحدثا وعَلى وحدانية محدثه فلولا أَن علم بالخلق يعلم أَنه إِذا خلق على مَا خلق كَانَ فِيهِ دَلِيل الْعلم بِهِ وبخلقه لَا يحْتَمل أَن يخرج على ذَلِك خلقه وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق