وبالأفضال قَوْله {فلولا فضل الله عَلَيْكُم وَرَحمته} فَلَا يَخْلُو من يسْتَثْنى من أَن يكون عرف صدق نَفسه وعظيم نعم الله وأفضاله أَو لم يعلم ذَلِك أَو علم أَنه على غير ذَلِك فَإِن علم أَنه على غير ذَلِك فبعدا لَهُ فَإِن الثنيا لَا تَنْفَعهُ سوى الإرتياب فِيمَا زعم أَنه لم يُعلمهُ وَإِن لم يعلم صدقه فِيمَا قَالَ وَلَا إمتنان الله وأنعامه فويل لَهُ إِذْ جهل أعظم نعم الله وَكفر بِهِ وَإِن علم ذَلِك فَإِن فِي حرف الشَّك عِنْد السامعين ستر نعم الله وكفران مننه فَذَلِك آيَة الزَّوَال وَسبب المحق وَالله الْمُوفق

ثمَّ الأَصْل عندنَا أَن الثنيا حرف يسْتَعْمل فِي مَوضِع التحرج وَهَذَا مَوضِع لَو تحقق الَّذِي لَهُ يتحرج لَا يَنْفَعهُ التحرج بل يلْزمه مقت الله ونقمته وَلَو لم يتَحَقَّق يلْحقهُ حكم كفران نعم الله حَيْثُ لم يره مِنْهُ وَلم يشْكر لَهُ إِذْ أوجب لَهُ ولَايَته وأضاف إِلَى نَفسه الأخراج من الظُّلُمَات إِلَى النُّور وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه

ثمَّ الْحق على مَذْهَب الْمُعْتَزلَة والخوارج والحشوية الإستثناء فِي الدّين وبخاصة فِي الْإِيمَان فَأَما عِنْد الْمُعْتَزلَة والخوارج فَإِنَّهُ يخرج من حَيْثُ لَا يشْعر بِهِ وَيمْتَنع عَن الْإِجَابَة من حَيْثُ لَا يعلم بِهِ وَإِذا كَانَ كَذَلِك فَهُوَ أبدا فِي جهل من حَاله فحقه أَن يتسمى بِهِ وعَلى ذَلِك لم يسمع أحد سمى نَفسه برا تقيا زكيا طيبا مُطيعًا لله إِذْ هُوَ اسْم لأحد نَوْعي الْخيرَات أَو لَهَا جَمِيعًا فالإيمان عِنْد ذَلِك مَا كَانَ لَهُم التسمى بِهِ دون الثنيا

وَكَذَلِكَ الحشوية إِذْ القَوْل عِنْدهم فِي الْإِيمَان وَفِي كل من أَسمَاء الْمَدْح وَاحِد وَلَا يسمون بِغَيْر ذَلِك بِلَا ثنيا وَفِي لُزُوم هُوَ لَا فِي مَذْهَبهم الثنيا ثمَّ الله تَعَالَى قَالَ {يَا أَيهَا الَّذين آمنُوا} فِي غير مَوضِع باسم مَقْطُوع لم يجز أَن يسْتَحق شَيْئا مِمَّا جرى الْخطاب بِهِ من أَمر وَنهى ووعد ووعيد وترغيب وترهيب

طور بواسطة نورين ميديا © 2015