ثمَّ الْوَجْه الآخر من طَرِيق الإعتبار أَن الْكفْر مَذْهَب يعْقد والمذاهب تعقد لِلْأَبَد فعلى ذَلِك عُقُوبَته وَسَائِر الْكَبَائِر يفعل للأوقات وَهُوَ عِنْد غَلَبَة الشَّهَوَات لَا لِلْأَبَد فعلى ذَلِك عقوبتها وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَالثَّانِي أَن الْكفْر قَبِيح لعَينه لَا يحْتَمل الْإِطْلَاق وَرفع الْحُرْمَة فعلى ذَلِك عُقُوبَته فِي الْحِكْمَة لَا يحْتَمل الإرتفاع وَالْعَفو عَنهُ وَسَائِر المأثم جَائِز رفع الْحُرْمَة عَنْهَا فِي الْعقل وَإِبَاحَة مَا لَهُ الْعقُوبَة فَمثله عُقُوبَته وَالله الْمُوفق
وَالثَّالِث أَن الْعَفو عَن الْكَافِر عَفْو فِي غير مَوضِع الْعَفو لِأَنَّهُ مُنكر الْمُنعم وَيرى ذَلِك حَقًا فَيكون فِي ذَلِك تَضْييع الْعَفو وَإِبْطَال النِّعْمَة وَلَا كَذَلِك أَمر سَائِر المأثم بل يعرف صَاحبهَا الْمُنعم فَلهُ أعظم الْموضع ولإكرامه أبين الْمحل فَجَائِز الْمَغْفِرَة لَهُ وَالْعَفو عَنهُ فِي الْحِكْمَة وَبِاللَّهِ المعونة
وَالرَّابِع أَن يكون الله تَعَالَى قد أحسن إِلَيْهِ فِي الدّين فِي الْوَقْت الَّذِي خفاه هُوَ بِفِعْلِهِ فِي أَن جعل حَقه أعظم فِي قلبه من الدَّاريْنِ وأنبيائه وَرُسُله أجل فِي صَدره من أَن يحْتَمل نَفسه الإستحقاق بشعرة من شُعُورهمْ أَو الإستهانة بِشَيْء من أُمُور دين الله أَو الركون إِلَى أحد من أعدائه فِيمَا قد اخْتَارَهُ وآثره من الخلان لله وكل ذَلِك هُوَ إِحْسَان الله إِلَيْهِ وإنعامه عَلَيْهِ فَلَا يحْتَمل أَن يضيع مننه ويغير نعمه بجفوة يعلم أَن قدرهَا من الذُّنُوب لَا يبلغ حرفا مِمَّا لَا يُحْصى من نعمه عَلَيْهِ وإحسانه إِلَيْهِ وَهُوَ يُؤمن خلقه بِأَن لَا يُغير نعْمَة أنعمها على قوم حَتَّى يُغيرُوا مَا بِأَنْفسِهِم وَأَن يضيع جَمِيع مَا أكْرمهم بِهِ فَمثل الَّذِي ذكر وَقد أنطق لِسَان رَسُوله أَنه يدْخل الْجنَّة إِلَّا من أَبى ذَلِك وَيجمع بَين من ذكرت وَبَين أعدائه مَعَ كَثْرَة مجاهدته إيَّاهُم فِي نصر دينه وإعلاء كَلمته وَقد ختم عَلَيْهِ لَا وَالله مَا يفعل ذَلِك وَهُوَ الْغنى الْكَرِيم وَهُوَ الْعَفو الغفور وَهُوَ الرَّحِيم الْوَدُود مَعَ مَا جَاءَت الْبشَارَة عَن رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي لُحُوق العبيد لمن أحبوهم ثمَّ كَانَ الَّذِي ذكر أحب رَسُول الله فَيَجْعَلهُ قرين الشَّيْطَان ويحرمه زِيَارَة رَسُوله جلّ ثَنَاؤُهُ عَن هَذَا الْوَصْف الَّذِي وَصفته بِهِ الْمُعْتَزلَة والخوارج على ظُهُور هَذَا الصَّنِيع فِي جُمْلَتهمْ حَتَّى لَا يسلم من