ثمَّ الأَصْل أَن الله وعد على كثير من الْخيرَات وَعدا من غير ذكر اجْتِنَاب الْكَبَائِر مَعَه وأوعد على كثير من السَّيِّئَات وعيدا فِي مخرج الْعُمُوم كَمَا وعد على الْخيرَات فَمن وَجه الْآيَتَيْنِ جَمِيعًا إِلَى الْعُمُوم ألزم التَّنَاقُض فِي جَمِيع الْأَمريْنِ فِي وَاحِد وَذَلِكَ آيَة السَّفه
ثمَّ اضْطَرَبَتْ فِي ذَلِك الْأَقَاوِيل فَزَعَمت الْمُعْتَزلَة والخوارج أَن آيَات الْوَعيد أَحَق بِالْعُمُومِ لَهَا هِيَ أبلغ فِي الزّجر وَالْمَوْعِظَة وَزَعَمت المرجئة أَن آيَات الْوَعْد أَحَق فِي الْعُمُوم لِأَنَّهُ أَحَق بِالَّذِي عرف من صِفَات الله من الرَّحْمَة وَالْعَفو والغفران فَتَقَع عَن الْكَبَائِر والصغائر مَعَ مَا يشْهد لذَلِك قَوْله {إِن الله لَا يغْفر أَن يُشْرك بِهِ} مَعَ احْتِمَال الْوَعيد للمستحلين والوعد لَو وَجب التَّخْصِيص ليجب غَيره والوعيد لنَفسِهِ فَهُوَ أولى بِهِ بالخصوص مَعَ مَا شَرط الدَّوَام ليَقَع الْوَعيد وَذَلِكَ آيَة الْخُصُوص وَلَيْسَ ذَلِك فِي الْوَعْد فَيلْزم بِهِ الصّرْف إِلَى المستحلين أَو إِلَى أَن ذَلِك جَزَاؤُهُ لَوْلَا الَّذِي مَعَه من الْحَسَنَات فَيجب لَدَيْهَا الْمُقَابلَة أَو أَن ذَلِك جَزَاؤُهُ وَللَّه التفضل بِالْعَفو عَن ذَلِك بِمَا علم من رجائه برحمته وَعلمه بعظيم عَفوه فَلَا يحرمه ذَلِك بِمَا ظهر من فَضله وإحسانه الَّذِي بَعثه على الرَّجَاء وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه أَو يشفع فيهم الأخيار من عباده ويجيبهم فِي الإستغفار لَهُم إِذْ بعيد الإستغفار لَهُ وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ الأَصْل فِي ذَلِك أَن الله تَعَالَى ألزمهُ اسْم الْإِيمَان قبل إرتكابه مِمَّا ارْتكب وأزال عَنهُ اسْم الْكفْر بقوله {قُولُوا آمنا بِاللَّه} وَقَوله {آمن الرَّسُول} فَبين بِمَا يكون الْمَرْء مُؤمنا وَحرم على من يَقُول لمثله لست مُؤمنا بقوله {وَلَا تَقولُوا لمن ألْقى إِلَيْكُم السَّلَام لست مُؤمنا} وَبَين رَسُول الله حِين سَأَلَهُ جِبْرِيل