ثمَّ الْقَضَاء فِي حَقِيقَته الحكم بالشَّيْء وَالْقطع على مَا يَلِيق بِهِ وأحق أَن يقطع عَلَيْهِ فَرجع مرّة إِلَى خلق الْأَشْيَاء لِأَنَّهُ تَحْقِيق كَونهَا على مَا هِيَ عَلَيْهِ وعَلى الأولى بِكُل شَيْء أَن يكون على مَا خلق إِذْ الَّذِي خلق الْخلق هُوَ الْحَكِيم الْعَلِيم وَالْحكمَة هِيَ إِصَابَة الْحَقِيقَة لكل شَيْء وَوَضعه مَوْضِعه قَالَ الله تَعَالَى {فقضاهن سبع سماوات} وعَلى ذَلِك يجوز وصف أَفعَال الْخلق أَن قضى بِهن أَي خَلقهنَّ وَحكم كَقَوْلِه {فَاقْض مَا أَنْت قَاض} بِمَعْنى احكم وَمن ثمَّة سمى الْعَالم قَاضِيا بِمَا يرد كل حق إِلَى محقه وَيبين الَّذِي هُوَ حق ذَلِك وَكَذَا قَوْله {إِذا قضى أمرا فَإِنَّمَا يَقُول لَهُ كن فَيكون} وَكَذَلِكَ يجوز أَن يُقَال حكم الله أَن فلَانا يفعل كَذَا فِي وَقت كَذَا فَيكون مِنْهُ كَذَا فِي وَقت كَذَا وَحقّ هَذَا أَن يكون حكم بِمَا علم أَنه يكون وَحكم أَيْضا بِالَّذِي يسْتَحق الْفَاعِل بِفِعْلِهِ من ذمّ أَو مدح ثَوَاب أَو عِقَاب
وَقضى أَي أعلم وَأخْبر كَقَوْلِه {وقضينا إِلَى بني إِسْرَائِيل} وعَلى هَذَا الْوَجْه أَيْضا يجوز ثَنَاؤُهُ وَلَا تمانع فِي جَوَاز ذَلِك
وَقضى قد يكون أَمر كَقَوْلِه تَعَالَى {وَقضى رَبك أَلا تعبدوا إِلَّا إِيَّاه} وَقَوله {وَمَا كَانَ لمُؤْمِن وَلَا مُؤمنَة إِذا قضى الله وَرَسُوله أمرا} وَهَذَا لايجوز أَن يُضَاف إِلَى الله إِلَّا فِي الْخيرَات
وَقد يكون فِي معنى فرغ كَقَوْلِه {فَلَمَّا قضى مُوسَى الْأَجَل} لَكِن هَذَا النَّوْع لَا يجوز أَن يُضَاف إِلَى الله لإضافة الشّغل لَهُ بِشَيْء أَو فرَاغ لَهُ مِنْهُ