فَرعه مَعَ مَا كَانَ طَرِيق معرفَة الْغَائِب الشَّاهِد وَقِيَاس الشَّيْء نَظِيره فبه أثبتوا قدم الْعَالم إِذْ الشَّاهِد يدل على مثله فَصَارَ الْغَائِب بِهِ عَالما أَيْضا ثمَّ هُوَ يدل فِي كل وَقت على مثله قبله وَفِي ذَلِك إِيجَاب الْقدَم للْكُلّ
وَمِنْهُم من يَقُول مَا من وَقت يتَوَهَّم فِيهِ ابْتِدَاء الْعَالم إِلَّا وَقد يتَوَهَّم قبله فَيبْطل لَهُ الْغَايَة
وَمِنْهُم من يَقُول يدل على الْمثل وَالْخلاف ودلالته على الْخلاف أوضح لِأَن من شَاهد شَيْئا من الْعَالم يدله على حَدثهُ أَو قدمه وَقدمه وحدثه لَيْسَ هُوَ مثلهمَا وَلَا نظيرهما ثمَّ يدله على محدثه أَو كَون بِنَفسِهِ وهما خِلَافه ثمَّ يدله على حِكْمَة فَاعله وسفهه وإختياره وطبعه وكل ذَلِك خلاف لما شَاهده وَلَا يدله على أَن لَهُ مثلا إِذْ لَو كَانَ يدله لَكَانَ يجب أَن يتَوَهَّم كل من عاين نَفسه أَن يكون كل الْعَالم مثله وَذَلِكَ بعيد فَثَبت أَن الْجَوْهَر لَا يُحَقّق رُؤْيَة مثله غَائِبا ويحقق أحد الْوُجُوه الَّتِي ذَكرنَاهَا لَكِن إِذا عرفت كَيْفيَّة الْمشَاهد إِذا أخْبرت بِتِلْكَ الْكَيْفِيَّة لغَائِب علمت أَنه مثله لَا أَن ذَلِك يُحَقّق الْمثل وَقد يجوز أَن يدل على مثله بِهَذَا الْوَجْه وَبِمَا عرف يعْنى الْجِسْم وَالنَّار فَيعرف كل جسم ونار وَإِن لم يشهده وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَمَا زعم من الأَصْل وَالْفرع فمقلوب لما كَانَ الْقَدِيم والقدم وَلم يكن مَا بِهِ إستدلال فَلذَلِك لم يجب جعله فرعا لهَذَا بل هُوَ الأَصْل لكَون هَذَا بِهِ
ثمَّ كل كَائِن بِغَيْرِهِ من طَرِيق الْعقل خَارج عَن جوهره فِي الشَّاهِد كالبناء وَالْكِتَابَة وكل أَنْوَاع الْأَفْعَال والأقوال الَّتِي هِيَ أغيار لمن كن بهم لم يجز أَن يلحقهم بالجوهر وَالصّفة فَمثله الَّذِي بِهِ الْعَالم
على أَنه جَازَ فِي الشَّاهِد إِثْبَات مَا لَا يدْرك وَلَا يحاط بِهِ نَحْو السّمع وَالْبَصَر وَالروح وَالْعقل والهوى وَنَحْو ذَلِك وَمَا يدْرك نَحْو الْأَجْسَام الكثيفة فَلَو كَانَت هِيَ قديمَة الأَصْل فَيجب أَن يكون كل نوع يتَوَلَّد وَيحدث من جوهره الْعقل من الْعقل وَكَذَلِكَ الْبَصَر والسمع وَمَعْلُوم الإختلاف بَين كل جَوْهَر والمتولد