وَهَذَا النَّوْع مِمَّا أجمع على أَن الْخطاب لَا يلْزم دونه وَأَنه من الإستطاعات الَّتِي لَا يعير من عدمهَا بترك الْفِعْل وَلَا يُخَاطب بِهِ دون استكمال
وعَلى ذَلِك تَأْوِيل قَوْله {لَا يُكَلف الله نفسا إِلَّا وسعهَا} وَقَوله {وعَلى الْمَوْلُود لَهُ رزقهن وكسوتهن بِالْمَعْرُوفِ لَا تكلّف نفس إِلَّا وسعهَا} إِنَّهَا مَذْكُور عِنْد ذكر الْأَسْبَاب وَالْأَحْوَال دون وُقُوع الْأَفْعَال وعَلى ذَلِك قَول جَمِيع من يُحَقّق للعباد الْفِعْل وَهُوَ النّظر من وَجْهَيْن أَحدهمَا إِحَالَة الْأَمر بإستعمال سَبَب لَيْسَ لَهُ وَهَذِه أَسبَاب فَيُقَال أبْصر وَلَا بصر أَو مد يدك وَلَا يَد وَالثَّانِي أَن الْأَمر والنهى إِنَّمَا هما فِي أسداء الشُّكْر وتحذير الكفران فَلَا يحْتَمل أَن يفعل فِيمَا لم يظْهر ثمَّة نعْمَة وَلَا احْتمل مَعْرفَتهَا الوسع وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَالدّلَالَة على الإستطاعة الْأُخْرَى قَوْله تَعَالَى {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السّمع} وَقَول صَاحب مُوسَى {إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} ثمَّ قَالَ {ألم أقل لَك إِنَّك لن تَسْتَطِيع معي صبرا} ثمَّ قَالَ {ذَلِك تَأْوِيل مَا لم تسطع عَلَيْهِ صبرا} على تَحْقِيق قدرَة الْأَحْوَال نفاها إِذْ زَالَت الْأَفْعَال وَكَذَلِكَ قَوْله {فَاتَّقُوا الله مَا اسْتَطَعْتُم} وَغير ذَلِك
ثمَّ الدَّلِيل على لُزُوم الكلفة دون حَقِيقَة هَذَا النَّوْع من الْقُدْرَة السّمع وَالْعقل فَأَما السّمع فَمَا أخْبرت من الْآيَات على نفى الإستطاعة ثمَّ الْأَمر والنهى والتعيير