وأيد الْوراق الَّذِي بَينا أَن فِي الْعقل ذمّ الْإِسَاءَة إِلَى من لم يؤذ وَإِن لم يحب لغيره مَا يحب الْمَرْء لنَفسِهِ والذبائح خَارِجَة من ذَلِك فَهَذَا لِأَنَّهُ توهمه مُفردا من الْعِلَل فَإِذا تَأمل حسن العواقب والسلامة مَعَ عقيب الْمَنَافِع وَكَذَلِكَ فضل رَاحَة وَفِي الذَّبَائِح ذَلِك
وَنحن نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن الْأَشْيَاء نَوْعَانِ أَحدهمَا مِمَّا يحسن لنَفسِهِ ويقبح ضِدّه وكل خلافاته وَالثَّانِي مَا يحسن الشَّيْء وخلافاته على حسب الْحَاجة وَقيام الدّلَالَة من حمد العواقب وذمها فَلَزِمَ القَوْل فِي هَذَا بِمن يعرف أَحْوَال الْحَمد والذم فَيخرج الْأَمر عَلَيْهِ على أَنه لَا بُد لمن يكون يعْتَمد على عقله والإختلاف المتناقض ذَلِك سَببه أَو يرجع إِلَى مَخْصُوص من الْعقل وَفِي ذَلِك القَوْل بالرسول ثمَّ أَمر الذَّبَائِح لَا يحْتَمل أَن يكون قبحها لنَفسهَا لما يحل فِي مَوضِع الإنتقام وَيحسن فِي الْعُقُول إِذا تفكر فِي ذَلِك دفع الْأَذَى وَالْمَكْرُوه أَو تقع العواقب فَبَطل قبح ذَلِك لنَفسِهِ فَلَزِمَ جَوَاز المحنة فِيهِ بِالتّرْكِ وَالْإِذْن وَفِي ذَلِك إِبَاحَة وَأَيْضًا أَن كل شَيْء حسنه الْعقل فَهُوَ لَا يقبح بِحَال وَكَذَلِكَ الْقَبِيح من الْحسن وكل شَيْء قبح لنفار الطَّبْع بِمَا يتَوَهَّم حُلُوله فِي جَوْهَر المتوهم فينفر طبعه لألمه ثمَّ هَذَا قد يجوز أَن يذهب ذَلِك بالإعتياد نَحْو القصابين وَالَّذين اعتادوا الْقِتَال فَثَبت أَن النهى عَنهُ طبيعي لَا عَقْلِي فَتغير ذَلِك من الْعَادة يَزُول وَذَلِكَ نَحْو جَوَاهِر من الْحَيَوَان طبعه التوحش وعَلى ذَلِك طبع الْجَمِيع عَن الْأَحْمَال الثَّقِيلَة ثمَّ تصير بالرياضة وتعويد غَيره كَأَنَّهَا على ذَلِك طبعت فعلى ذَلِك أَمر الْحَيَوَان وَأَيْضًا أَن كل حَيّ إِذْ هُوَ يَمُوت ثمَّ لم يلْحق أحد بِهِ لائمه فَمثله إِذا جَاءَ الْإِذْن مِمَّن هُوَ لَهُ
وأحق من يَقُول الثنويه لأوجه أَحدهَا استجازتهم تبَاين النُّور والظلمة ثمَّ الإمتزاج ثمَّ التباين وَفِي ذَلِك تفرق بَين كل مقترنين وتميز بَين كل ممتزجين وَذَلِكَ معنى الذّبْح وَالثَّانِي أَن الْأَلَم إِمَّا أَن يحل بجوهر النُّور فَيصير مُحْتملا للأذى