وَبعد فَإِنَّهُ لم يذكر عَن غير الْإِلَه الَّذِي يعرفهُ أهل التَّوْحِيد دَعْوَى الإلهية وَالْإِشَارَة إِلَى أثر فعل مِنْهُ يدل على ربوبيته وَلَا وجد فِي شَيْء معنى أمكن إِخْرَاجه عَن حمله وَلَا بعث رسلًا بِالْآيَاتِ الَّتِي تقهر الْعُقُول ويبهر لَهَا فَتثبت أَن القَوْل بذلك خيال ووسواس
وَأَيْضًا مَجِيء الرُّسُل بِالْآيَاتِ الَّتِي يضْطَر من شَهِدَهَا أَنَّهَا فعل من لَو كَانَ مَعَه شريك ليمنعهم عَن إظهارها إِذْ بذلك إبِْطَال ربوبيتهم وألوهيتهم فَإِذا لم يُوجد وَلَا منعُوا عَن ذَلِك مَعَ كَثْرَة المكابرين لَهُم والعاندين مِمَّن لَو أَحبُّوا وجود الإبصار لَهُم فِي إِظْهَار آياتهم لوجدوا فَثَبت أَن ذَلِك إِنَّمَا سلم للرسل لما لم يكن الْإِلَه الْحق والخالق لِلْخلقِ غير الْوَاحِد القهار الَّذِي قهر كل متعنت مكابر عَن التمويه فضلا من التَّحْقِيق وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ دلَالَة الْعقل أَنه لَو كَانَ أَكثر من وَاحِد مَا احْتمل وجود الْعَالم إِلَّا بالإصطلاح وَفِي ذَلِك فَسَاد الربوبية وَمعنى آخر أَن كل شَيْء يُرِيد اُحْدُ مِمَّن ينْسب إِلَيْهِ إثْبَاته يُرِيد الآخر نَفْيه وَمَا يُرِيد أَحدهمَا إيجاده يُرِيد الآخر إعدامه وَكَذَلِكَ فِي الْإِبْقَاء والإفناء وَفِي ذَلِك تنَاقض وتناف فَدلَّ الْوُجُود على مُحدث الْعَالم وَاحِد تَدْبيره
مَعَ مَا كَانَ الْأَمر الْمُعْتَاد بَين الْمُلُوك بذل الوسع مِنْهُم فِي قهر أشكالهم ليَكُون الْملك للقاهر وَمنع كل مِنْهُم غَيره عَن إِنْفَاذ حكمه وَإِظْهَار سُلْطَانه مَا اسْتَطَاعَ فَإذْ لم يكن بل نفذ سُلْطَان الْعَزِيز الْحَكِيم ثَبت أَنه الْوَاحِد وَهَذَا تَأْوِيل قَوْله {قل لَو كَانَ مَعَه آلِهَة كَمَا يَقُولُونَ إِذا لابتغوا إِلَى ذِي الْعَرْش سَبِيلا} وَالْأول على مَا أودع قَوْله {لَو كَانَ فيهمَا آلِهَة إِلَّا الله لفسدتا}
وَأَيْضًا أَنه لَو كَانَ مَعَ الله إِلَه لأظهر الآخر حكمته وَفصل فعله من فعل