كَانَ كل الْأَشْيَاء أعوان ثمَّ اخْتَلَط خلقه الَّذين هم أعوانه بالذين هم أعوان الله فِي مَنعهم عَن المعونة عَلَيْهِ جلّ الله عَمَّا وَصفه الْمُلْحِدُونَ
وَإِن قَالُوا الْمُوَادَعَة كَانَت لبَعض الْمصَالح فَمثله الْهَوَام الضارة والأشياء المؤذية
وَبعد فَإِن تخوفه من يضاده يُوجب الْجَهْل بِأَنَّهُ رب كل شَيْء وَكَذَلِكَ إِصَابَة الْعين فَإِذا ضرّ بِهِ الْعين وَمن تقهره الْعين وتزيل قدرته وتدفع علمه فَهُوَ رب بِغَيْرِهِ لَا بِنَفسِهِ خَالق بِغَيْرِهِ فَيلْزم القَوْل فِي معبودهم إِنَّه عبد لَا معبود
ثمَّ لَا شَيْء من تِلْكَ الْجَوَاهِر المؤذية إِلَّا وَهِي تَنْفَع خلقا فَلَا تضر وَلَا تؤذي لأنفسها وَلَكِن بمدبر حَكِيم عليم جعلهَا بِحَيْثُ تؤذى أحدا وَتَنْفَع آخر ثَبت أَن القَوْل بإنفراد منشئ الشَّرّ بعيد
ثمَّ إِن لم يكن فِي خلق الشَّيْء من غير شَيْء إِلَّا خُرُوجه من وسع الْخلق وارتفاعه عَن التَّصَوُّر فَلَا أحد امْتنع عَن القَوْل بتحقيق مثله لِأَن إنْشَاء الْجِسْم وَكَونه فِي الْأَرْحَام بالطبائع وحدوثه بحركات النُّجُوم أَو خُرُوج الْعَالم عَن هَذَا الطَّبْع وإمتزاج النُّور والظلمة ثمَّ التباين خَارج عَن الْوَجْه الَّذِي ذكر على أَن حَقِيقَة كل شَيْء من تَأمله كَذَلِك نجده لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي النُّطْفَة وَلَا فِي جَمِيع الأغذية وَلَا فِي الْأَرْحَام شي من مَعَاني الْبشر ثمَّ مِمَّا لَهُ من الْعقل والسمع وَالنَّظَر فَإِنَّمَا ذَلِك خَارج عَن ذَلِك بِتَقْدِير عليم حَكِيم وَكَذَلِكَ جَمِيع الطبائع الْمُخْتَلفَة أَو جَوَاهِر الْخَيْر وَالشَّر لَو خلى بَينهَا وَبَين عَملهَا مَا ظهر بهَا جَوْهَر وَلَا يُمكن بهَا خلق فَالْقَوْل بالكون بِمثلِهِ أبعد عَن التَّصَوُّر فِي الْعقل وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَقد بَينا وَجه الْحِكْمَة فِي خلق الْجَوَاهِر الْمُخْتَلفَة وَأَن فعل الله لَا يُوصف بذلك وَإِن أَنْشَأَهَا على مَا عَلَيْهِ من قبح الْقَبِيح وَحسن الْحسن هُوَ معنى الْحِكْمَة