وَقَالَ بَعضهم لَا بل تأذى بهَا فَدَفعهَا عَن نَفسه فمازجها كمن يبْلى بالوحل إِنَّه إِذا تكلّف الْخُرُوج يزْدَاد فِيهِ ولوجا وَالْحَرَكَة تكون من النُّور والسكون من ضِدّه إِذْ هما متضادان فأوجبوا أصلين نورا وظلمة وفرعين حَرَكَة النُّور وحسه وَسُكُون الظلمَة وَعدم الْحس من غير أَن يبينوا شَيْئا سوى النُّور والظلمة
قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله ذكرنَا أقاويلهم لِتَعْلَمُوا مقت الله مِمَّن آثر عداوته وَعدل عَن طَاعَته وَلم يتفكر فِي خلقه بفكر خاضع لَهُ مستغيث بِهِ ليوفقه لدينِهِ وَيفتح عَلَيْهِ بَاب الْحق لَكِن مَال إِلَى الدُّنْيَا ركونا إِلَيْهَا ورغبة فِي شهوات نَفسه فَوكل إِلَى نَفسه وَلم يعصمه من عدوه إِذْ لم يتَضَرَّع إِلَيْهِ وَلَا رغب فِي غير الَّذِي مَال إِلَيْهِ وَبِاللَّهِ نستعين
وَالْأَصْل أَن الله عز وَجل يَجْعَل هَلَاك عَبده بِالَّذِي بِهِ يدعى جحوده ويعدل عَن طَاعَته خوفًا عَن أَمر يلْزمه بِأَن يهلكه بلزومه فِيمَا طمع الخلوص عَنهُ فَهَؤُلَاءِ لظنهم أَن الَّذِي يكون مِنْهُ الْخَيْر لَا يحْتَمل كَون الشَّرّ مِنْهُ صَارُوا إِلَى القَوْل بإثنين وبجعل أصل كل غير الَّذِي هُوَ أصل الآخر ثمَّ صيروا الَّذِي هُوَ أصل الْخَيْر عِنْدهم هُوَ النِّهَايَة فِي الشَّرّ وَالَّذِي هُوَ أصل الشَّرّ عِنْدهم هُوَ النِّهَايَة فِي الْخَيْر لِأَن هَؤُلَاءِ صيروا النُّور جَاهِلا بعواقب مَا إِلَيْهِ يصيير حَتَّى كَانَ على أحد الْقَوْلَيْنِ أَرَادَ دفع أَذَاهُ فبقى فِيهِ لَا يعلم أَنه لَا يقدر عَلَيْهِ وَلَا أَنه يبْقى فِي غَايَة مَا رام دَفعه وَلَا قدر على التَّخَلُّص إِذْ بلَى بِهِ وَالْأول صَار إِلَيْهِ ليلين خشونته وَيدْفَع أَذَاهُ جهلا مِنْهُ أَنه لَا يقدر عَلَيْهِ وعجزا أَن يتَخَلَّص عَنهُ وَكَذَلِكَ على قَول الماني إِن الظلمَة هِيَ الَّتِي بَغت على النُّور وألقته فِي حَبسهَا وأوثقته بوثاقها حَتَّى مأتاه وَعجز عَن النجَاة وبدوء كل خير وَنِهَايَة الْعلم والإحاطة بِكُل خير وَالْبُلُوغ إِلَيْهِ إِنَّمَا هُوَ بِالْقُدْرَةِ عَلَيْهِ فأزالوا الْأَمريْنِ جَمِيعًا عَن النُّور وحققوا للظلمة فصاروا إِلَى نقض جَمِيع مَا بنوا إِن الْخَيْر