الصَّفْرَاء مرَارَة الْمرة الصَّفْرَاء فَلَمَّا اتَّصَلت حلاوة الْعَسَل بالمرة الَّتِي فِي الذائق وتحركت فِي ذائقه وجد حسها كَذَلِك
قَالَ الشَّيْخ رَحمَه الله وَالْأَصْل فِي هَذَا أَن الْإِنْسَان إِذا اشْتَمَل على حُدُود وجهات فَكل جِهَة مِنْهُ تقَابل جِهَة من الْمدْرك لَا يدْرك بِتِلْكَ الْجِهَة غير الْجِهَة الَّتِي قابلته فَإِذا اعترضت الآفة فِي جِهَته الَّتِي بهَا يدْرك مقابلها أَو غشى مقابلها شَيْء ستره فَيذْهب مِقْدَار ذَلِك من الْجِهَة ومقابلها فَيكون كالإدراك بِغَيْر الْجِهَة الَّتِي هِيَ لذَلِك النَّوْع من الْإِدْرَاك فَيكون الْأَحْوَال ثَلَاثَة بقلب الْجِهَة لَا يدْرك مِنْهُ شَيْئا الْبَتَّةَ وتقريرها مَعَ ارْتِفَاع السواتر كلهَا فيدرك بِهِ حَقِيقَة الْمدْرك أَو الإختلاط فعلى تفَاوت ذَلِك يتَفَاوَت الدَّرك وكل ذَلِك حق الْحس مَعْلُوم بالحس فَلم يرد فِي علم الْحس اخْتِلَاف الْبَتَّةَ فِي الْحَقِيقَة وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ تكلّف نوع مَا كلم النظام السمنية مِمَّا لَا يجدي نفعا فَزعم أَن الْحيتَان كَانَ الْغَلَبَة فِي طبائعها الرُّطُوبَة والبرودة فَإِذا صَارَت إِلَى الجدب وَالْغَالِب عَلَيْهِ الْحَرَارَة واليبوسة غلبتا على الرُّطُوبَة والندوة فأهلكا وَكَذَلِكَ كل متضادين من الطبائع إِذا غلب وَاحِد ضِدّه أهلكه وَكَذَلِكَ أَمر الطَّائِر فِي السَّمَاء وكلب المَاء فَإِنَّهُ أَشد اعتدالا من الْحُوت يعِيش فِي المَاء وَالْبر والخفاش فَإِن بَصَره مسترقة لَيست بالقوية يذهبه ضوء الشَّمْس نَحْو مَا يعشى الرجل إِذا نظر إِلَى عين الشَّمْس فَإِذا غَابَتْ الشَّمْس ذهب مَا أَضْعَف بَصَره فأبصر فَإِذا اشتدت الظلمَة لَا يبصر وَأما الْأسد فَهُوَ قوي الْبَصَر يبصر بِالنَّهَارِ وَأكْثر مَا يبصر غَيره وَكَذَلِكَ الْمَانِع لَهُ بِاللَّيْلِ أقل مِمَّا يمْنَع غَيره
قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَذَلِكَ كُله عَبث بل القَوْل إِنَّه كَذَلِك