القَوْل إثنين متباينين فامتزجا وَكَانَا متضادين لم يجز لَهما الإجتماع بِمَا ذكر مَعَ مَا كَانَ اخْتِلَافهمَا طباعا وَلَو جَازَ خروجهما عَن الطباع الَّذِي ذكرت لجَاز أَن يسخن الْمبرد ويبرد المسخن وَلَو جَازَ ذَلِك لجَاز فناؤهما ليخرجا من طبع الْبَقَاء وَإِذا بَطل ذَا ثَبت قَول أهل التَّوْحِيد فِي مُدبر عليم ألف بَين ذَلِك وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
قَالَ أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله نقُول وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق إِن القَوْل بِأَكْثَرَ من وَاحِد لايخلو من أَن كل وَاحِد مِنْهُم يملك إفناء غَيره أَو لَا أَو يملك الْوَاحِد خَاصَّة فَإِن كَانَ الأول أَو الثَّانِي لحقهما عجز مَعَ مَا فِيهِ من الْجَهْل بتدبير الإهلاك بالحيل إِن لم يكن بِالْقُوَّةِ وَإِن قدر الْوَاحِد بَطل غَيره لما لَا يتْركهُ يعاديه فِي ملكه وينازعه فِي ربوبيته وَله قدرَة تصفية الْملك لَهُ
وَبعد فَإِن الْعَاجِز الْجَاهِل أَحَق أَن يكون عبدا مربوبا دون أَن يكون رَبًّا ملكا وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَهَذَا يبطل على من يَقُول بالظلمة والنور لما جهل النُّور حَيْثُ وَقع فِي وثاق الآخر والظلمة حَيْثُ منعت عَن عَملهَا وَهُوَ الشَّرّ فِي الآخر وَمَعَ مَا تَفَرَّقت أجزاؤهما وتشتتت أحوالهما حَتَّى عجز كل وَاحِد مِنْهُمَا أَن يظْهر سُلْطَانه ويستولى على مَاله جلّ رَبنَا وَتَعَالَى عَن أَن يكون هَذِه صفته
وَأَيْضًا أَن القَوْل من أَصْحَاب الْإِثْنَيْنِ قَول بنهاية كل وَاحِد مِنْهُمَا من جَانب وارتفاعهما من سَائِر الجوانب فَإِن كَانَ الإرتفاع دَلِيل الْقدَم لزم الْحَدث فِي وَجه الْحَد وَإِن لم يكن لزم الْحَدث فِي الْكل مَعَ مَا إِن لم يقدر النُّور على تَخْلِيص جزؤه المتناهي عَن يَد عدوه بالأجزاء الَّتِي لَا تتناهى وَلَا كَانَت تِلْكَ الْأَجْزَاء قدرت على حفظ ذَلِك الْجُزْء من يَديهَا قبل الْوُقُوع فِي وثاقها أَنى يقدر إِذا أَرَادَ بعد الْوُقُوع فِي وثاق الظلمَة والتخليص من قَيده وعَلى قَول من يَجْعَل الْحَواس كلهَا للنور دون الظلمَة وَالْعلم كُله وَكَذَلِكَ جَمِيع مَا وصف بِهِ الظلمَة مِمَّا