ثمَّ على قَوْلهم كَانَ غير خَالق فَصَارَ خَالِقًا فقد أدخلهُ من هَذَا الْوَجْه تَحت الْقُدْرَة الَّتِي بهَا صَار خَالِقًا فَكيف يُنكر جَوَاز من لم يكن كَذَلِك فَيصير كَذَلِك بِأَنَّهُ خلقه كَذَلِك كَمَا صَار هُوَ كَذَلِك بِأَن خلق غيرا وَالله الْمُسْتَعَان
ثمَّ سُئِلَ عَن الله أَكَانَ قَادِرًا على خلق الْأَشْيَاء قبل خلقهَا زعم أَنه نعم دَلِيله أَن الْعَاجِز مَمْنُوع فَدلَّ وجود الْمُحدث على قدرته وَإِذا كَانَ هُوَ قَادِرًا بِذَاتِهِ لَا بِمَا يعرض من الْقُدْرَة فَهُوَ مَوْصُوف بِالْقُدْرَةِ على الدُّنْيَا وأمثالها مِمَّا لَا يُحْصى
قَالَ الْفَقِيه رَحمَه الله فَيُقَال لَهُ إِذْ هُوَ قَادر بِنَفسِهِ لَا بقدرة يعرض كَيفَ زعمتم أَنه يقدر على خلق جَمِيع حركات الْعباد وسكونهم إِلَى أَن يقدرهم عَلَيْهَا فَإِذا أقدرهم عَلَيْهَا زَالَت قدرته عَلَيْهَا إِلَّا أَن يَأْخُذ الْقُوَّة عَنْهُم فَهَذَا وصف الْقُدْرَة بِالذَّاتِ أَو بالعوارض وَمن ذَلِك وَصفه فَالْقَوْل لَهُ بِقُوَّة لم يظْهر مِنْهُ الْفِعْل محَال وَمَا يحْتَمل زَوَال قدرته فَالْقَوْل بِالْقُدْرَةِ بِذَاتِهِ على مَذْهَبهم محَال
وَإِنَّمَا أردْت بِمَا ذكرت من أقاويل الْمُعْتَزلَة وَإِن لم يكن لي إِلَى ذكرهَا حَاجَة ليعلم المتأمل أَن لَا سَبِيل إِلَى إِثْبَات التَّوْحِيد وَدفع معارضات الملحدة على مَذْهَبهم وَأَن الْحق من القَوْل فِي التَّوْحِيد قَول غَيرهم وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
ثمَّ زعم أَن كل قَادر سبقت قدرته فعله فَهُوَ وصف من قدر بِغَيْر وَفعله بِغَيْرِهِ فَهُوَ يتَحَوَّل من حَال إِلَى حَال وَتقبل ذَاته الإستحالة والزوال فَأَما الله سُبْحَانَهُ فبنفسه يقدر على الْأَشْيَاء ويفعلها فَمَا يذكرهُ فِي ذَلِك فَاسد وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه
وَقد بَينا فِيمَا تقدم بأبلغ من هَذَا وَبِاللَّهِ التَّوْفِيق وَفِي هَذَا آيَة جعل ذَاته عَالِمَة وَقد بَينا وهمه