وَمِنْهُم من يَقُول أَصله اثْنَان نور وظلمة من النُّور كل خير ونفع وَمن الظلمَة كل شَرّ وضار لَكِن مِنْهُم من يَقُول كَانَا متباينين فامتزجا على مَا مر بَيَانه
وعَلى قَول أَصْحَاب الهيولي والطينة يجب أَن يَكُونَا وَاحِدًا فتفرقا إِذْ هُوَ الأَصْل فصارا أصلا للشر وَالْخَيْر فبالتفريق عمل كل عمله على أَن عَامَّة هَؤُلَاءِ يجْعَلُونَ كَون الْعَالم بالطبيعة لَا بِالْفِعْلِ
وَالثَّالِث الإعتبار بالمعاني فَقَالُوا إِنَّا نجد الْعَالم اشْتَمَل على نفع وضر وعَلى خير وَشر ثمَّ فِي الْعرف أَن فَاعل الْخَيْر مَحْمُود وَمن ينفع غَيره رَحِيم حَكِيم وَأَن فَاعل الشَّرّ مَذْمُوم وَمن يضر غَيره قَاس سَفِيه لم يجز أَن يجِئ من الله الَّذِي هُوَ حَكِيم رَحِيم فعل الشَّرّ أَو الضَّرَر بِأحد وَمثله فِي الشَّاهِد وَلَا لَهُ السَّفه والقساوة وَهَذَا مِمَّا ينْتَفع بِهِ أَو يدْفع الضَّرَر عَن نَفسه فَكيف لمن لَا ينْتَفع بِشَيْء وَلَا يضرّهُ شَيْء على قَوْلهم إِن الْحَكِيم فِي الشَّاهِد من يجر بِفِعْلِهِ النَّفْع بِهِ وَالضَّرَر فَأَما من يضر غَيره بِلَا نفع لَهُ فَلَيْسَ هُوَ بِحَكِيم فَقَالُوا هَذَا باخْتلَاف الأَصْل الَّذِي مِنْهُ الْعَالم ليرْجع كل مَوْجُود فِيهِ إِلَى أَصله من خير أَو شَرّ أَو كَانَ وَاحِدًا فِيهِ الجوهران فتفرقا فَكَانَ من كل مَا يكون من مثله أَو بِمَا اعترضت فِيهِ الْأَعْرَاض اخْتلف فَرجع إِلَى هَذَا قَول الدهرية الْمُنكرَة للصانع والمثبتة جَمِيعًا لعدد فَسَمت الثنوية لقَولهم الْخَيْر بجوهره نور وَالشَّر ظلمَة وَالْمَجُوس سموا الْخَيْر الله وَالشَّر الشَّيْطَان
قَالَ الْفَقِيه أَبُو مَنْصُور رَحمَه الله وَلَو أنعم هَؤُلَاءِ الْفرق النّظر فِيمَا تقدم من ذكر الْأَدِلَّة لعلموا قُصُور عُقُولهمْ عَن الْوُقُوف على الْحِكْمَة البشرية فضلا عَن أَن يحيطوا بحكمة الربوبية مَعَ مَا فِيمَا إِلَيْهِ صَارُوا فِي الإختيار منع لَهُم عَن دَعْوَى