فَإِن قَالَ قَائِل أجمع أَن من عرف نَفسه عرف ربه لكِنهمْ اخْتلفُوا فِي وَجه الْمعرفَة فَقَالَت الثنوية لما عرف إشتمال نَفسه على الْخَيْر وَالشَّر عرف أَن لكل جِهَة مِنْهُ رَبًّا
وَالْيَهُود صيرته وَاحِد جُزْء
وَقَالَت المشبهة هُوَ جسم إِذْ فِي الشَّاهِد تكون معرفَة النَّفس للجسم
وَقَالَ جهم إِذْ عرف أَنه كَانَ بعد أَن لم يكن وَهُوَ شَيْء جسم عَالم سميع بَصِير علم أَن كل مَا كَانَ لَهُ ذَلِك الإسم فَهُوَ حدث وربه الَّذِي أنشأه لَا يحْتَمل أَن يكون حَدثا
وَعِنْدنَا أَن من عرف نَفسه عرف ربه لما يعرفهَا بِالْجَهْلِ مِمَّا احتملته هِيَ من السّمع وَالْبَصَر وَغَيرهمَا من الْأَعْرَاض وَكَذَلِكَ بإصلاح مَا فسد مِنْهَا وبقدر مَا تَأْخُذ هِيَ من الزَّمَان وَالْمَكَان وبأنواع حاجات ترد عَلَيْهَا لَا يعرف مأتاها وَلَا حَقِيقَة مَا بِهِ زَوَالهَا فَهَذَا شَأْنه مَعَ مَا يشْهد زَوَالهَا بِمَا شهد من نَفسه فَعلمه بِمَا مضى من أحوالها من أول مَا كَانَت إِلَى الْحَال الَّتِي هُوَ فِيهَا مَعَ الْعلم فِيمَا يخْتَلف عَلَيْهَا من الْأَحْوَال إِلَى وَقت قِيَامهَا مِنْهُ أبعد وَعَن تصور ذَلِك فِي وهمه أعْسر وَعَن إحتمال إحاطة عقله بِهِ أعجز علم بضرورة أَنه لم يدبر أَمر نَفسه على ماهي عَلَيْهَا بل لَو كَانَ الْأَمر إِلَيْهِ لدبرها على مَا يعلم جَمِيع ذَلِك إِذْ لَو كَانَت ثمَّة قدرَة على شَيْء من ذَلِك لم يكن ليدفع إِلَى الْجَهْل الَّذِي ثَبت ثمَّ إِلَى الْعَجز فِيمَا أخْبرت من دفع الْحَاجَات عَن نَفسه وَإِصْلَاح مَا فسد مِنْهَا فَيعلم عِنْد ذَلِك إِذْ هُوَ أملك الْخَلَائق تدبيرا فِيمَا يحس وَأَعْلَاهُمْ إدراكا لحقائق مَا يلقى وأسرعهم وقوفا على مَا يعلم وَيذكر من الْأُمُور فَيعلم