تقدَّم أن التوبة مقام ينبغي أن يستصحبه العبد من أول ما يدخل فيه إلى آخر حياته، فإذا كان التائب قد جمع همَّه وقصده وتاب توبةً نصوحًا، فعليه ألا يرجع إلى الذنب كما لا يعود اللبن إلى الضرع؛ فإن رجع إلى المعصية وعاود الذنب فقد نقض توبته؛ إذ إن صحة التوبة حينئذ مشروطة باستمرارها؛ فإذا تاب العبد من ذنب معين ثم عاود فعله فإنه حينئذ يُعَدُّ ناقضًا لتوبته بسبب معاودته ذلك الذنب.
ولكن إذا تاب العبد من الذنب ثم عاوده، فهل يعود إليه إثم ذلك الذنب الذي قد تاب منه ثم عاوده بحيث يستحق العقوبة على الأول والآخر وإن مات مُصِرًّا؟ أو أن ذلك قد بطل بالكلية، فلا يعود إليه إثمه، وإنما يعاقب على هذا الأخير؟
قلتُ: الصحيح أنه لا يعود إليه إثم الذنب الذي قد تاب منه بنقض التوبة؛ لأنه قد ارتفع بالتوبة، وصار بمنزلة من لم يعمله، وكأنه لم يكن؛ فلا يعود إليه إثمُه بعد ذلك، والعائد إثمه عليه هو المستأنف لا الماضي، ولأن التوبة