مدرسة الحديث، لأنها موطنه الأصلي، ولأن بها الكثير من حفظة الحديث ورواته، فهي وإن كان بها عمر الذي كان يتشدد بالأخذ بالحديث؛ فإن فيها عثمان، وعبد الله بن عمر، والسيدة عائشة، وعبد الله بن عباس، وزيد بن ثابت، ثم كان بها بعد عصر الصحابة سعيد بن المسيب الذي كان رأس هذه المدرسة، ومن بعده كان ابن شهاب الزهري، ونافع مولى عبد الله بن عمر، وربيعة الرأي، وغيرهم ممن تخرج عليهم مالك بن أنس، الذي تركزت فيه مدرسة المدينة، وكان رأس مدرسة الحديث بها.

مصادر المذهب وأصوله:

أول مصدر يرجع إليه فقهاء هذا المذهب هو كتاب الله، فإذا لم يكن به الحكم ظاهراً يرجعون إلى سنة الرسول - عليه السلام - المتواترة، فالمشهورة مثل غيرهم من فقهاء المدرسة الأخرى، غير أن هؤلاء يقدمون خبر الواحد الثقة عن القياس، بشرط أن يكون موافقاً لعمل أهل المدينة، وإلا فهم ينظرون هل في الموضوع حكم إجماعي سابق من الصحابة يأخذون به، فإذا لم يكن اعتبروا عمل المدينة حجة يستندون إليه في أحكامهم، وقدموه على خبر الواحد الذي يخالف ما هم عليه، يقول مالك في كتابه إلى الليث بن سعد: "إن الناس تبع لأهل المدينة التي كانت إليها الهجرة، ونزل بها القرآن، والمالكية إذ يقدمون عمل أهل المدينة على خبر الواحد الثقة، وعلى القياس - من باب أولى؛ فإنهم يرون أن عمل أهل المدينة بمنزلة روايتهم عن الرسول، ورواية جماعة عن جماعة مقدمة على رواية فرد عن فرد، ومقدمة على الرأي، ليس هذا فحسب، وإنما يؤخرون القياس أيضاً عن قول الصحابي الحجة الثقة، إذا صحت الرواية عنه فيما لا مجال فيه للرأي، ولم يرد في المسألة حديث صحيح يعارضه، وكان يعتبر ذلك مصدراً تشريعياً، وقد كان هذا المصدر محل جدل ومناقشة، إذ الصحابي غير معصوم، واجتهاده ليس بحجة ما دام لم يكن محل إجماع، وإلا لزم التناقض.

وإن كان مالك قد توسع في الأخذ بالحديث، وليس للقياس عنده المكانة التي له في المذهب الحنفي، إلا أنه كثيراً ما كان يبني أحكامه على أساس ما سماه المصالح المرسلة، والاستصلاح، والاستصحاب، وسد الذرائع؛ وبذا تجد أن مجال الرأي موجود في مذهبه ومدرسته، لكن بصورة أضيق مما عند الآخرين، فلم يكن الخلاف بين مالك والأحناف في الأخذ بالسنة أو الأخذ بالرأي، ولكن التوسع في إحدى الناحيتين؛ ومع هذا فلم يكن مالك متساهلاً في الأخذ بالحديث، بل كان شديد التحري فيما يثبت منه، لكن كما تبينت لا يشترط في الأخذ به شهرته، ولم تكن مدرسة الرأي تهمل الحديث، ولكنهم كانوا يشترطون التواتر أو الشهرة، وإلا قدموا القياس على خبر الواحد الذي لم يشتهر العمل به، ولعل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015