قال شيخنا الإمام رضي الله عنه: ولكن بناء القولين؛ على أن صاحب اليد، هل يحلف مع بينته، أم لا.
إن قلنا: يحلف، فها هنا يقضي للخارجي؛ لأن اليمين ثابت مع البينة الكاملة، فلا تقع في معارضة بينة المدعي.
وإن قلنا: لا يحلف، فاليمين ها هنا كشاهد آخر يقيمه؛ فيترجح به.
ولو لم يكن لهما بينة؛ فنكل صاحب اليد عن اليمين، وحلف المدعي، وقضي له، ثم أقام ذو اليد بينته- تسمع؛ كما لو أقام البينة بعد إقامة المدعي البينة.
وقيل: إذا قلنا: النكول ورد اليمين بمنزلة إقرار المدعى عليه- لا تسمع بينته، كما لو أقام بعد الإقرار والأول أصح؛ لأنه جعل كالإقرار حكماً، لا أنه حقيقة إقرار.
ولا فرق في ترجيح بينة ذي اليد بين أن يدعيا الملك مطلقاً؛ على المذهب الصحيح الذي يقول: لا يجب على ذي اليد بيان سبب الملك، وبين أن يبينا سبب الملك؛ وسواء اتفق السببان؛ أو اختلفا؛ بأن يقول أحدهما: هذا ملكي اشتريته من فلان، ويقول الآخر: بل ملكي ورثته من أبي، أو أصدقني زوجي وسواء عزيا الملك إلى شخص واحد؛ بأن يقول كل واحد: هذا ملكي اشتريته من زيد أو كان أحد الخصمين امرأة تقول: أصدقني زوجي، ويقول الآخر: اشتريته من زوجك؛ أو عزيا إلى شخصين؛ بأن يقول أحدهما: ملكي اشتريته من زيد، ويقول الآخر: ملكي اشتريته من عمرو، وأقام كل واحد بينة- ترجح بينة ذي اليد؛ في الأحوال كلها.
أما إذا أقام الخارجي بينة؛ أنها ملكي غصبها مني ذو اليد، أو أجرتها منه، أو أودعتها منه، وأقام ذو اليد بينة؛ أنها ملكي- فالصحيح أنه يقضي لذي اليد.
وقال الشيخ ابن سريج: يقضى للخارجي؛ لأن بينته تثبت له اليد والملك؛ ولأن يد المستأجر والوديعة تكون للمالك؛ كما في الغصب.
أما إذا ادعى الخارجي تلقي ذلك في ذي اليد؛ بأن قال: اشتريته منك، وأقام عليه بينة، وذو اليد يقيم البينة؛ أنها ملكه يقضى للخارجي، لأن بينته تثبت الملك لذي اليد، ثم ينقله منه؛ فكانت الناقلة أولى؛ لأن عندها زيادة علم؛ حتى لو أقام الخارجي بينة؛ أني اشتريتها من أبيك، وأقام ذو اليد بينة؛ أني ورثتها من أبي- ترجح بينة الخارجي، ويقضى له.
وكذلك لو أقامت امرأة بينة؛ أن أباك أصدقني هذه الدار، وأقام ذو اليد بينة؛ أنه ورثها من أبيه- يقضى للمرأة.