تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} [المائدة: 6] ولا يقال لمن [لم] يطلبوا شيئاً: لم يجدوا؛ كما قال الله - تعالى- في الكفارة: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ} [النساء: 92] ثم لا يجوز له المصير إلى الصوم، إلا أن يعجز عن الرقبة، بعد طلبها.
وقال أبو حنيفة- رحمة الله عليه-: لا يجب طلب الماء، إلا أن يرى علامةً من خضرةٍ أو طيراً يقع، أو قافلةً، ولا يجب تحمل المشقة العظيمة في طلب الماء، بل يطلب من رحله ورفقائه، ويسألهم عن موضعه. وإن كان في قاع مستوٍ لا حائل دون نظره، نظر عن يمينه ويساره وأمامه وخلفه، وإن كان دون نظره حائل قريب من شجر أو تل- عدل إليه؛ فنظر وراءه. فإن كان يخاف لو عدل عن الحائل على نفسه، أو ماله من عدو أو سبعٍ، أو يخاف الوحدة أو الانقطاع، أو يخاف ضياع رحله، أو فوت الصلاة- تيمم وصلى ولا إعادة عليه؛ لأنهم لو دلوه على ماءٍ حقيقة، أو رأى الماء يقيناً، ويخاف شيئاً من هذه الأشياء، لو أتاه- لا يلزمه أن يأتيه، بل يصلي بالتيمم، ولا يعيد.
وإن كان في قافلة عظيمة، وقف ينادي: من يجود بالماء، من يبيع ماء، إن كان معه ثمنه؛ حتى تنقطع القافلة، أو يبقى من الوقت قدر إمكان الصلاة حينئذٍ يتيمم، ويصلي، ولا يعيد. وإنما أمرناه بذلك؛ لأن كل ساعة تمر عليه، من يجب الطلب منه، ولو قل رفقاؤه- لا يجب أن يطلب من كل واحد بعينه بل ينادي عليهم.
ولو بعثوا من يطلب لهم الماء، جاز. فإن طلب دون أمرهم، لم يسقط عنهم الطلب؛ فهو كطلب الرقبة في الكفارة لو طلب له غيره بأمره، جاز؛ بخلاف القبلة ليجتهد له غيره؛ لأنه أمر خفي، وهذا ظاهر.
ويجب تجديد الطلب لكل تيمم، وإن طال مقامه في مكان واحد؛ لأنه قد يعثر على بئر خفيت عليه، أو يرى من يدله على الماء، حتى لو تيمم، فقبل أن صلى أحدث- يجب إعادة الطلب، غير أن الطلب الثاني يكون أخف من الأول.
ولو طلب الماء في أول الوقت، وتيمم في آخر الوقت- جاز إذا لم يبرح مكانه، وكذلك لو تيمم في أول الوقت، ولم يبرح مكانه؛ فصلى في آخر الوقت، أو بعد خروج الوقت- جاز. وإن برح مكانه لم يجز، إلا بعد أن يجدد الطلب، ويتيمم ثانياً ولو كان معه