فصل في الاستخلاف في القضاء
لا يتولى أحد القضاء إلا بتولية الإمام، أو بتولية من فوض إليه الإمام. وإذا ولى الإمام رجلاً قضاء بلد، لا يجوز أن يقضي، ولا أن يسمع بينة، ولا أن يكاتب قاضياً في حكم في غير عمله.
وهل يجوز له أن يستخلف في ولايته؟ نظر: إن [كان] أذن له الإمام في الاستخلاف، يجوز أن يستخلف. ويستحب للإمام أن يأذن لمن ولاه في الاستخلاف، وإن نهاه عن الاستخلاف، لا يجوز أن يستخلف. وإن أطلق التولية؛ نظر: إن كان ما ولاه يمكنه النظر في جميعه بنفسه، لا يجوز له أن يستخلف؛ على ظاهر المذهب؛ لأن الذي ولاه لم يرض بنظر غيره.
وقال الإصطخري: يجوز له أن يستخلف؛ لأن الإمام نصبه للنظر في المصالح؛ فيجوز له أن ينظر فيها بنفسه وبغيره؛ كالإمام يجوز له أن يستخلف.
وإن كان ما ولاه لا يقدر أن يقضي فيه بنفسه؛ لكثرته- فيجوز أن يستخلف في القدر الذي لا يمكنه القيام بنفسه؛ لأن الإمام لما ولاه ما لا يمكنه أن يقوم به، يتضمن ذلك إذناً في الاستخلاف؛ كما لو دفع ثوباً إلى بزاز ليبيعه، يتضمن ذلك إذناً في الدفع إلى من يتأدى عليه. فعلى هذا: هل يجوز له أن يستخلف فيما يمكنه القيام فيه بنفسه؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز؛ لأنه لما جاز أن يستخلف في البعض، جاز أن يستخلف في الكل.
والثاني- وهو الأصح-: لا يجوز؛ لن مطلق التولية لا يتضمن الإذن في الاستخلاف فيما ي مكنه [فيه] القيام بنفسه.
أما إذا مرض القاضي، أو أراد [أن يغيب عن البلد؛ لشغل- جاز له أن يستخلف وجهاً واحداً.
ولو أراد] أن يستخلف في أمر خاص من سماع بينة، أو تحليف، أو لعان بين الزوجين- قيل: هو على ما ذكرنا من الاختلاف.
وقال الشيخ القفال- وهو الأصح-: يجوز وجهاً واحداً- وإن لم يكن مأذوناً في الاستخلاف؛ لأن القاضي لا يستغني عن ذلك.
ولو ولى الإمام رجلين قضاء بلد واحد؛ نظر: إن عين لكل واحد طرفاً من البلد، لا