إن كان أهل الذمة عالمين بأنهم يستعينون بهم على قتال المسلمين، وأنه لا يجوز لهم ذلك-: صاروا ناقضين للعهد.

وإن قالوا: كنا مكرهين-: يقبل قولهم، ولا ينقض عهدهم.

وإن قالوا: ظننا أنه يجوز لنا إعانة بعض المسلمين على قتال بعض - نُظر:

إن كان الإمام شرط عليهم في عقد الذمة الكف عن قتال المسلمين -: صاروا ناقضين للعهد، وإن لم يشرط-: فعلى قولين:

أحدهما: لا ينتقض عهدهم، للجهل.

والثاني: ينتقض؛ لأن مقتضى عقد الذمة الكف عن القتال، فحيث قلنا: صاروا ناقضين للعهد -: انتقض أمانهم في حق أهل العدل والبغي جميعاً.

ولا يجب [عليهم] ضمانُ ما أتلفوا من نفس أو مالٍ؛ كأهل الحرب، وماذا يفعل بهم؟ فيه قولان:

أحدهما: يبلغون المأمن.

والثاني: يقتلون أو يسترقون، فعلى هذا: يجوز في القتال قتلهم مدبرين.

وإن قلنا: لا ينتقض عهدهم -: لا يتبع مدبرهم، ولا يُذفف على جريحهم؛ كأهل البغي، غير أنهم لو أتلفوا مالاً أو نفساً على أهل العدل -: يجب عليهم ضمان الكل؛ بخلاف أهل البغي: لا يجب عليهم ضمان ما أتلفوا في قول؛ لأن الله تعالى قال: {فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ} [الحجرات: 9].

والعدلُ: هو التسوية ولا تسوية بين المسلم والكافر، ولأن في تضمين أهل البغي تنفيرهم عن الدخول في الطاعة، فأسقطنا عليهم الضمان، ترغيباً لهم في الدخول في طاعة الإمام؛ بخلاف أهل الصذمة: فإنا قد أمناهم على هذا القول؛ فلا يخاف بقاؤهم على الثغور، وإن استعانوا بمن لهم أمانٌ على مدة انتقض أمانهم، فإن ادعوا أنهم كانوا مكرهين: فإن أقاموا عليه بينةً -: فهم على العهد، وإن لم يقيموا بينة على الإكراه-: انتقض أمانهم قولاً واحداً؛ بخلاف أهل الذمة؛ لأن الأمان المؤقت ينتقض بخوف الخيانة، فانتقض بالمعاونة، وعقد الذمة لا ينتقض بخوف الخيانة؛ فلا ينتقض بالمعاونة.

ولا يجوز للإمام أن يستعين بالمشركين على قتال أهل البغي؛ لما فيه من تسليط الكفار على أهل الإسلام؛ وكذلك؛ لا يجوز أن يتخذ جلاداً كافراً لإقامة الحدود على

طور بواسطة نورين ميديا © 2015