فصل
إذا قطع مريء رجلٍ وحلقومه، أو قطع حشوته، وأبانها، من جوفه أو جرحه جراحةً لا يبلغ أحدٌ إلى مثلها، فيعيش إلا عيش المذبوح، ثم جاء آخر، وحز رقبته - فالأول قاتل، وعليه القصاص في النفس، أو كمال الدية، ولا شيء على الثاني إلا التعزير؛ كما لو حز رقبة ميتٍ، بخلاف ما لو قتل مريضاً صار إلى أدنى الرمقِ - يجب عليه القودُ؛ لأن المريض قد يبرأ، ومن صار بالجرح إلى حالة المذبوح لا يعيش، وتلك الحالة حالة اليأس التي لا يصح فيها شيءٌ من تصرفاته ولا وصيته، وصار ماله لوارثه.
ولو مات له قريبٌ فيها لايرثه، ولا يصح فيها إسلام الكافر، [ولو] جرت فيها كلمةُ الكفر على لسان مسلم لا يحكم بردته، ولو صار مسلمٌ بالجرح إلى هذه الحالة، فأسلم فيها ابنه الكافر - لا يرثه.
فأما إذا قطع حشوته، ولم يُبنها من جوفه، أو قطع من المريء والحلقوم [أحدهما] ثم حز آخر رقبته يجب القصاص في النفس على الثاني، وعلى الأول أرش جراحته، أو القصاص في العضو الذي قطعه؛ لأنه لم يصر بجرح الأول إلى حالة المذبوح، وإن كان يتحقق أنه يموتُ منه بعد يوم أو يومين، حتى يصح في تلك الحالة تصرفه، ووصيته وإسلامُ الكافر؛ فإن عمر- رضي الله عنه - أوصى بوصايا في مثل هذه الحالة، فنقضت الصحابة وصاياه من بعده.
وكذلك لو أوجره سمًّا مجهزاً؛ فقبل زُهوقِ الروح حز آخر رقبته - فالقاتل هو الأول، وإن لم يكن مجهزاً، فالقاتل هو الثاني، وإن لم يعرف أنه هو صار إلى حالِ المذبوح بجرحِ الأول - سُئلَ أهلٌ العلم، فإن قالوا صار إليها، فالقاتلُ هو الأولُ، وإلا فالثاني.
ولو قطع يد إنسان إلى الكوع، ثم جاء آخرُ وقطع ساعده من المرفق - نُظر: إن وقف؛ فعلى الأول القصاص في اليد، أو نصف الدية وعلى الثاني: الحكومة، ولا قصاص إلا أن يكون له ساعدٌ بلا كفٌ فيقطع.
وإن سرت الجناية إلى النفس - نظر: إن قطع الثاني بعد اندمال الأول - فعلى الأولِ القصاصُ في اليد، أو نصف الدية، وعلى الثاني القصاص في النفس أو كمال الدية، وإن قطع