وعن ابن الزبير قال: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - احتجم، وأعطاني دمه، وقال: "اذهب فواره حيث لا يبحث عنه سبعٌ". قال: فتنحيت فشربته، ثم أتيت فقلت: صنعت الذي أمرتني. قال: "ما أراك إلا شربته". قلت: نعم. ولم ينكر عليه.

وعن سفينة: أنه قال: احتجم النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "خذ هذا الدم فادفنه من الدواب". قال: فتغيبت فشربته. ثم سألني فأخبرته أني شربته فضحك.

وكل ذلك لما كانوا يرون فيه من الشفاء والتبرك به، وليس في دم غيرهن ولا بوله ذلك، ومن هذا قسمته شعره بين أصحابه.

ومما أُكرم به- صلى الله عليه وسلم - في النكاح تحريم زوجاته على غيره من بعده، فقال جل ذكره: {وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ} [الأحزاب: 53] وهذا التحريم في حق من كانت تحت النبي - صلى الله عليه وسلم - حين فارق الدنيا، ومن استحل نكاح واحدة منهن فر؛ لأنه محرم بنص الكتاب.

ولو تصور أن يختار واحدة منهن الدنيا حين خيرهن، كان يحل لها أن تنكح زوجاً غيره؛ للوصول إلى نعيم الدنيا في الأصل؛ لأنها اختارت فراقه لذلك، فأما من فارقها النبي - صلى الله عليه وسلم - في حياته، فإنه رُوي أنه تزوج امرأة من بني عمرو بن كلاب، فوجد بكشحها بياضاً فطلقها، ولم يدخل بها، وتزوج أخت بني الجُون الكندي، فاستعاذت منه؛ فقال: "لقد عُدت بعظيم، فالحقي بأهلك" فطلقها، ولم يدخل بها. فهل كان يجوز لغيره نكاح هؤلاء؟ فيه ثلاثة أوجه:

أحدهما: لا؛ لظاهر القرآن: [{وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً} [الأحزاب: 53]، ولأنه - عليه السلام-أب الأمة، ويحرم زوجة الأب بنفس العقد.

والثاني: يجوز، لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - أعرض عنها بالفراق، فانقطعت الوصلة بينه وبينها.

والثالث: إن كان قد دخل بها لم يحل لأحدٍ نكاحها، وإلا حلت؛ فإنه رُوي أن المستعيذة تزوجها الأشعث بن قيس في زمان عمر - رضي الله عنه - فهم برجمها، فأخبر

طور بواسطة نورين ميديا © 2015