الأقاليم، وبرع وصنف، بلغت مصنفاته ستة وخمسين مصنفاً، قال ابن ماكولا: كان الخطيب آخر الأعيان ممن شاهدناه معرفة وحفظًا وإتقانًا وضبطًا للحديث وتفننًا في علله وأسانيده، ومعرفة صحيحه وغريبه، وفرده ومنكره، ومطروحه، قال: ولم يكن للبغداديين -بعد الدارقطني- مثله، قال أبو سعيد (?) السمعاني: كان الخطيب مهيبًا وقورًا ثبتًا ثقة متحريًّا، حجة، حسن الحفظ، كثيرَ الضبط، فصيحًا، خُتِمَ به الحفاظ، قال ابن عمرو النَّسوي: كنت بجامع صور عند الخطيب، فدخل عليه علوي وفي كُمه دنانير، فقال: هذا الذهب تصرفه في مُهمَّاتك فغضب، وقال: لا حاجة لي فيه، فقال [ص:10]: كأنك تَسْتَقِلُّه، ونفض كمه على سجادة الخطيب، وقال: هي ثلاثمائة دينار، فخجل الخطيب، وقام وأخذ سجادته وراح، فما أنسى عز خروج الخطيب، وذل العلوي وهو يجمع الدنانير، ومن شعر الخطيب - رحمه الله-:
إِنْ كُنْتَ تَبْغِي الرَّشَادَ مَحْضًا ... لأَمرِ دُنْيَاكَ وَالْمَعَادِ
فَخَالِفِ النَّفْسَ فِي هَوَاهَا ... إِنَّ الْهَوَى دَاعِي الْفَسَادِ (?)
فهذه نبذ من أحوال هؤلاء الأئمة تبصّر الناظر بأحوالهم، ويقر خاطره بحسن صفاتهم، وحفظهم، وتقواهم، وورعهم، وإعانتهم في الدين، وحفظهم لأحاديث سيد المرسلين صلى الله عليه وسلم، (والله) منصوب على المفعولية، قدم ليقدر الاختصاص أي الله