عن تلاوته وتقدم أن أطول مدة أذن بالبعد في إتمامه أربعون يومًا (ولا تغلوا فيه) من الغلو وهو التشدد في الشيء ومجاوزة الحد وفي معناه: "حامل القرآن غير الغالي فيه ولا الجافي عنه"، قال في النهاية (?): إنما قال ذلك لأن من أخلاقه وآدابه التي أمر بها التوسط في الأمور وخير الأمور أوساطها كلا طرفي قصد الأمور ذميم انتهى. ولعل المراد بالغلو المبالغة في تلاوته والمسارعة في ختمه كما يرشد إليه الجفاء وهو البعد عنه (ولا تأكلوا به) لا تجعلونه مكسبا تأكلون به أموال الناس كما يفعله المرتزقة بتلاوته.

إن قلت: حديث البخاري: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله" (?) يعارضه.

قلت: قيل ذلك أي حديث النهي عن الأكل به فيما إذا تعين عليه تعليمه فإنه لا تحل له الأجرة لأنها على واجب وعليه يحمل حديث أبي داود عن عبادة بن الصامت: أنه علَّم رجلاً من أهل الصفة فأهدى له قوسًا فقال له - صلى الله عليه وسلم -: "إن سرك أن يطوق بها طوقًا من نار فاقبلها (?).

وأجاب من أجاز أخذ الأجرة مطلقًا بضعف الحديث، وقيل: التعليم على ثلاثة وجوه:

أحدها: للحسبة فلا يأخذ به عوضًا. الثاني: أن يعلم بالأجرة. الثالث: أن يعلم بغير شرط وإذا أهدي إليه قبل.

فالأول مأجور وعليه عمل الأنبياء والرسل، والثاني مختلف فيه والأرجح الجواز. والثالث يجوز مطلقًا لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان معلمًا للخلق وكان يقبل الهدية، قال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015