أصل كتاب ابن أبي العوام، فإن كان وقع فيه «القدر» كما قال الأستاذ فالواقع في (تاريخ بغداد) أثبت، وحال ابن أبي العوام قد أشرت إليها في (الطليعة) ص27-28. ومؤلف (الجواهر المضيئة) من أهل القرن الثامن ولم يشتهر بالضبط والإتقان، ولا بين مأخذه، وإنما ذكر أن أبا حنيفة قد تكلم في الجرح والتعديل فأوردت كلمات منها أنه قال: «كان طلق يرى القدر» وقد يكون أخذ من كتاب ابن أبي العوام وأصل كتاب
(الجواهر المضيئة) وتصحيحه لا يوازي أصلي (تاريخ بغداد) وتصحيحه وتحريف كلمة «العدل» إلى «القدر» هو الجاري على طريقة التصحيف والتحريف فإن القارئ أو الناسخ إنما يعدل عما لا يعرفه إلى ما يعرفه وقد شرحت طرفاً من ذلك في قسم الفقهيات في مسألة سهمان الخيل من الغنيمة وقد يفهم بعضهم من قول أبي حنيفة: «كان يرى العدل» أنه أراد بالعدل القدر لأن القدرية يسمون أنفسهم أهل العدل فأبدلها ذاك الفاهم بكلمة «القدر» لأنه يرى المعنى واحداً وكلمة «القدر» أو ضح. وإنما أراد: القول العدل، أي: الحق في زعمه يعني الإرجاء. ومن عرف أبا حنيفة وقوة عارضته جزم أو كاد بأنه لو كان عنده أن طلقاً كان قدرياً وأن سعيد بن جبير إنما نهى عن مجالسته لذلك لبادر إلى ذكر ذلك دفعاً لحجة خصمه، والتروي الذي ذكره الأستاذ لا وجه له، بل ربما يقال: لو كان أبو حنيفة إنما قال بعد أن ألجئ إلى الجواب «كان يرى القدر» لكان هذا أطلق للسان من يعيبه فإن طلقاً لم يصفه أحد بالقدر وقد وصفوه بالإرجاء وهو كالمضاد للقدر. وصف طلقاً بالإرجاء حماد بن زيد وأبو حاتم وابن سعد وقال البخاري في (تاريخه الكبير) ج2 قسم 2 ص360: «حدثنا مسدد ثنا حماد بن زيد عن أيوب: «ما رأيت أحد أعبد من طلق بن حبيب، فرآني سعيد بن جبير جالساً معه، فقال: ألم أرك مع طق؟ لا تجالس طلقاً، وكان يرى الإرجاء» . وهذا السند بغاية الصحة، ويبعد أن لا يبين سعيد لأيوب سبب المنع إلا وهو يرى أنه لا يعرفه، وكذلك الحال في أيوب وحماد. والذي كان يعرفه حماد أن السبب هو الإرجاء وشدة أيوب على المرجئة معروفة، وفي (تذكرة الحفاظ) ج2